في لقاء رائع ومفيد ضمن حلقات ( ضيف عكاظ ) تحدث الدكتور عبد الرحمن الأنصاري خبير الآثار عن جوانب شتى فيما يخص الآثار وإهمالها وعندما سئل هذا السؤال أجاب:

س/ متى تـُحل حالة التصادم بينكم وبين المتحسسين دينيا من موضوع الآثار؟

جـ / سئلت مرة في التلفزيون عن العلاقة بيننا كآثاريين وبين المتحسسين من عملنا من ناحية دينية فقلت: «كل يعمل على شاكلته» نحن نسير في طريقنا وهم يسيرون في طريقهم والبقاء للأصلح، فالحمد لله أن أصبح قسم الآثار كلية للسياحة والآثار في جامعة الملك سعود وتخدم كثيرا من الطلاب فأصبحوا يبثون أفكار الآثار والمجتمع متنبهين لوجود الآثار وأهمية المحافظة عليها وهذه نتاج الجهود التي بذلناها في سبيل الإبقاء على الآثار، وأصبحت لدينا هيئة عامة للسياحة والآثار وهذا إنجاز.. ولا بد أن تعي عقول الإنسان أهمية الآثار لأننا إذا اجتنبنا كل أثر فسيبقى تاريخنا على مبدأ «صدق أو لا تصدق».. والمشكلة أننا ابتلينا بعدم فهم لحقائق الأشياء وبالتالي فبعض الناس يرى أن الإبقاء على هذه الآثار يفتح الباب لتقديسها، ولكن الآن هناك وعي أفضل وتعاون بين الهيئة العامة للسياحة والجهات المعنية بهذا الموضوع وأصبح للآثار دور كبير جدا في ما يمكن أن يزال وما لا يزال، وقد أعجبني أن كثيرا من المساجد السبعة الموجودة في المدينة لم تضع، وتم بناء مسجد كبير في المنطقة يسمونه مسجد الفتح من أجمل ما هو موجود والمكان الذي بني فيه هو الذي ذهب فيه مسجد أو اثنين، وأصبح المسجد الجديد واجهة حضارية للمنطقة ويصلى فيه الجمعة والعيد ويقدم منفعة للناس، والحجاج مازالوا يزورون المساجد الخمسة الأخرى وليس هناك مشاكل، لكن الشيء الذي آسف عليه هو موقع غزوة أحد الذي أصبح مهملا وبدأ التآكل يظهر على جبل الرماة وأصبح مجرد ممر ومع الزمن سوف يتساقط لأنه من الحجارة الرملية، كما أن الناس ليس لديهم تصور حول موقع المعركة وكيف التف خالد بن الوليد رضي الله عنه، والكثير يظنون أنه التف من وراء جبل أحد ولو كان كذلك لانتهت المعركة ولم يصل جيشه إلا بعد انتهاء المعركة بساعات، وللأسف أن المعالم قد تغيرت فلا تعرف هل التف وراء جبل الرماة نفسه أم وراء ضلع من أضلاع جبل أحد.

س/ الإهمال نابع من التحسس الديني أيضا؟

لا أدري.. لكنني أتذكر عندما كنا صغارا ونخرج إلى سيدنا حمزة كما كنا نسمي موقع المعركة في المدينة آنذاك، أنه كانت هناك عين متفجرة وكنا نلعب فيها وماؤها حلو جدا ونشرب منه وفيها سمك أيضا، ومن المؤسف أن هذه العين ظهرت مرة أخرى في السنوات الأخيرة بحفر ما وإذا بها تدفن ولم نكن نصدق أن تظهر من جديد.. ولا ندري لماذا طمست مع أنه لا علاقة لها بالناحية الأثرية وإنما هي مسألة طبيعية ولكن يبدو أن هناك نوعا من التحسس الزائد والأمر كذلك لمسجد العريض الذي هدم وكان فيه قبر لأحد أفراد أسرة آل البيت وتم نقل القبر إلى البقيع والسؤال.. لماذا هدم المسجد أيضا؟.

• ربما خوفا من تحوله إلى مزار من قبل بعض الجهلة يا دكتور؟

جـ / مزار لماذا.. وسكان المنطقة كانوا يصلون فيه فالناس حرموا من وجود مسجد وما نتخوف من تحوله إلى بدعة نقل وبالتالي فهذه اجتهادات غير مفهومة، مثلها مثل ما قال الشيخ الغامدي رئيس هيئة الأمر بالمعروف في مكة المكرمة قبل فترة من ضرورة هدم كل الآثار الإسلامية مثل غار حراء وغيرها بحجة أنه لا داعي لأن تصبح مدعاة لكذا وكذا.. فقامت عليه أقلام الكتاب فتراجع.

• وهل كان لهذا التحسس دوره في إيقاف البحث عن درب الفيل؟

الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- أراد القيام برحلة لتحديد هذا الطريق لكنه منع من هذا الأمر من باب الحساسية مع أنه طريق من قبل الإسلام ولا صلة له بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لا أدري لماذا منع وخرجت فتوى بعدم جواز هذا الأمر مثلما حصل لطريق الهجرة مع الأستاذين عبدالقدوس الأنصاري وعبدالعزيز الرفاعي رحمهما الله اللذين كانا ينويان تحقيق طريق الهجرة من مكة إلى المدينة فخرجت فتوى بعدم جواز ذلك، وأنا أتساءل: لماذا لا نتبع هذا الطريق تاريخيا فقد يكون أقصر من الطرق الأخرى لمعرفة حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم في اختياره الذي أوصله بسرعة إلى المدينة المنورة وفي فترة قياسية واستطاع أن يتوه العارفين بالطرق في مكة المكرمة ولم يصلوا إليه.. أما طريق الفيل فليس بطريق الفيل ولكنه طريق «كرب الأسعد» أحد الملوك الحميريين الذي مهد هذا الطريق ليصل إلى سوق عكاظ والمناطق الأخرى في الشمال وليس للفيل فيه ما يدل، ولو صعد الفيل جبال عسير فليست بعملية سهلة ولم يقل الناس إنه طريق الفيل إلافي السنوات الأخيرة وإلا فقد كان معروفا بطريق «كرب أسعد».
• ولكنه أهمل أيضا؟
نحن لدينا كتاب عن منطقة الباحة وعسير وفيه صور لهذا الطريق.