منزل لورنس (الثالث من اليمين) كما التقطها لورنس نفسه عام 1916

أطلال منزل «لورنس العرب» بينبع تستعيد ذكريات الثورة العربية
صورة «أعمدة الحكمة السبعة» تحسم الجدل حول موقع المنزل

ينبع: أحمد العمري
سقطت الرواشين عن شرفاته، وطالته الأيدي العابثة وعوامل التعرية، وتداعت أركانه الداخلية وانتزعت بوابته الخارجية التي تزينها مكعبات الأرابيسك العتيقة، ولم يعد يذكر منزل «لورنس العرب» التاريخي في ينبع سوى الطاعنين في السن الذين يتبادلون روايات عن آبائهم حول ساكن المنزل، أو «البريطاني» حسب تسميتهم له.
منزل توماس إدوارد لورنس، الشهير بـ «لورنس العرب»، كان في وقت من الأوقات مسرحاً لأحداث طبعت بصمتها في تاريخ المنطقة يوم كان المنزل مقراً لسكن شخصية أثيرت حولها علامات الاستفهام بعد أن تم تعيين «لورنس» ضابط ارتباط بين القوات البريطانية والعربية مطلع القرن الماضي، قبيل اندلاع الثورة العربية الكبرى.
وقبالة صف من المنازل الأثرية المطبوعة بنمط المعمار الحجازي في حي السور بالمنطقة التاريخية، وقفت «الوطن» على الحياد، مسجلة الجدل الهادئ بين باحثين تاريخيين هما الباحث صالح عبداللطيف السيد، ورئيس لجنة التراث بينبع عواد الصبحي، وقد حزم الاثنان أمرهما على الوصول إلى الموقع الدقيق لمنزل لورنس، عاقدين المقارنة بين موقعين لا يبعدان عن بعضهما أكثر من 50 متراً.
ويشير الباحث السيد إلى منزل عتيق مؤكداً أنه منزل لورنس، معتمداً على ما تمكن من الوصول إليه من معلومات تاريخية شحيحة حول سكن «البريطاني» في ينبع، فيما يشير عواد الصبحي إلى منزل تفصله عن الأول أربعة منازل، ويقول «إن روايات مسني ينبع التي حكوها عن آبائهم تؤكد أن لورنس العرب نزل فيه».
وطوال عقود، لم يكن أمر المنزل يهم أحدا، إلا أن تحركات ثقافية بدأت تدعو إلى الاهتمام بمنزل لورنس وترميمه ليكون وجهة سياحية نظير ارتباطه بالفترة التي قضاها لورنس في ينبع ما بين عامي 1916 و1919، أثناء اندلاع الثورة العربية بكل تفاصيلها وأحداثها الضخمة.
ويؤكد السيد والصبحي أن منزل لورنس كان مركزاً للقيادة والسيطرة في المواجهات العسكرية بين الجانبين البريطاني وجيوش الشريف فيصل من جهة، والجيش التركي من جهة أخرى، حين كانت البوارج البريطانية ترابط قبالة سواحل ينبع وتقوم بتفريغ شحنات كبيرة من الأسلحة والإمدادات استعداداً لقذف المواقع العسكرية للجيش التركي المتواجدة على الشريط الساحلي المحاذي لينبع. وذكر لورنس في كتابه الشهير «أعمدة الحكمة السبعة» أنه وصل ينبع في أكتوبر عام 1916، وذهب إلى بيت وكيل الشريف فيصل للشؤون العسكرية في ينبع عبدالقادر العبدو في ذلك الوقت ومكث فيه 4 أيام.
ويقول السيد، «إن لورنس قد تردد كثيراً على ينبع، إلا أن أطول مدة قضاها فيها أربعة أيام، فيما كان أول وصول له إلى ينبع في نوفمبر 1915 قادماً من معسكر الشريف فيصل بن الحسين في قرية الحمراء بوادي الصفراء»، موضحاً أن المنزل الذي نزل فيه لورنس في ضيافة قائم مقام ينبع في ذلك الوقت ما يزال موجودا حتى اليوم، وهو ملك لإحدى الأسر المعروفة بينبع، مضيفاً أن المنزل يقع في حي السور ويعتبر في ذلك الوقت من الأحياء الراقية.
وتتميز المنازل المتراصة والتي يؤكد الباحثان، السيد والصبحي، أن منزل لورنس هو واحد منها بتصميم فريد، إذ تتيح الرواشين والمشربيات الرؤية للخارج ولا تسمح لمن يمر في الحي برؤية من بداخل المنزل، فيما تحجب بعض الضوء وتسمح لبعضه الآخر بملء الفراغات الداخلية عاكسة جواً من الحميمية.
وأشار الصبحي إلى أن الإهمال الذي تلقاه هذه المنازل بدأت آثاره تظهر، إذ باتت أجزاء مشربياتها تسقط فيما انتشرت على جدرانها الصدوع.
ويتمسك كل من الباحثين، بموقفه إزاء الموقع الدقيق لمنزل لورنس، إلا أن صورة تاريخية يمكن أن تحسم الجدل.
فلورنس نفسه كان قد التقط صورة للمنزل الذي سكنه ونشرها ضمن «أعمدة الحكمة السبعة»، وفي الصورة يظهر منزل يأخذ ترتيب الثالث بدءاً من اليمين مطابقاً، إلى حد بعيد، للمنزل القائم اليوم والذي يشير إليه صالح السيد. وإن كان هذا هو منزل «لورنس العرب» الذي أدار منه وخطط داخل حرمه لتلك المعارك العنيفة التي شهدتها سواحل ينبع، فإنه يتكون من دورين وغرفة نوم ومجلس صغير، فيما يطل على ثلاث جهات، الجنوبية وتشرف على السوق القديم، والشمالية وتطل على مقبرة ينبع القديمة، والغربية التي تطل على الميناء التجاري لينبع.