الخيال الحر عنصر مهم في تنمية تفكير طلابنا


من المهم استعراض بعض الحقائق عن كيفية عمل الدماغ الذي يوجد به مليارات الخلايا العصبية التي يتكون منها، وكل خلية عصبية تتصل بأكثر من ألف خلية أخرى، ويجمع المخ ما يعادل أربعين ألف محفز لكل ثانية، وبنسبة 95 % من المعلومات التي تتم معالجتها في الدماغ يتم الحصول عليها عبر المدخلات الحسية، وخاصة البصر والسمع واللمس.
وهذا الدماغ العجيب والمعجزة للخالق عز وجل يخزن كميةً من المعلومات المعالجَة في يومٍ واحد، ما يعادل معالجة جهاز كمبيوتر (من اختراع الدماغ نفسه) في عدة سنوات!
ويقسم الدماغ إلى فصين (فلقتين) الأيمن والأيسر، وتتم فيهما معالجة الأشياء داخل كل فص، فالفص الأيسر يتناول معالجة المنطق أي منطق الأشياء، والقوائم التي يراها الإنسان أو يدركها من أسطر وكلمات، وكذلك يستقبل الأرقام، والتسلسل في الأشياء من ترتيب وأولوية، وتحليل الأشياء، وبالمقابل نجد الفص الأيمن يهتم بمعالجة النغمات الصوتية، والألوان، والخيال، وأحلام اليقظة، والأبعاد الثلاثية، والمساحة أو الحيز.
وهذا ما يستوقفنا بعد سرد هذه المعلومات العلمية، ليجعلنا نتساءل أي فلقة أو فص من الدماغ له النصيب الأكبر في المعالجة والاستعمال البيولوجي في تعليمنا، إن كان على مستوى المنهج أو المقررات الدراسية أو طرق التدريس أو من قبل المعلمين أو توجيهات المشرفين التربويين، أو حتى ما تعوَّد عليه أولياء الأمور، والطلاب؟.
سيكون الناتج بالتأكيد لصالح الفص الأيسر الذي يعالج أغلب معلومات التعليم في تعليمنا، أما الجانب الأيمن فيندر أن يتعلم طلابنا بالنغمة أو باستخدام الخيال أو الأبعاد الثلاثية أو الألوان، ولننظر عندما يتعلم طلابنا القراءة والكتابة والرياضيات وجميع المواد... فالإجابة يتعلمون بالكلمات والمنطق والترتيب والأرقام، والقوائم التي تذكر بطريقة التدريس في مادة القواعد التي يستعمل فيها أغلب المعلمين طريقة ( الجداول ) التي ما زالت منذ عهد سيبويه حتى الآن وبنفس الطريقة!.
طرق بائدة لا تزال تحت رحمة قوالب تعليمية أصبحت جزءاً من تفكير طلابنا يعتمد على فلقة واحدة فقط، لذلك علينا ألا نستغرب عندما نجد خللاً في مخرجات التعليم لدينا، فهذا ما تدرب طلابنا على مهارته، وتعلموه في مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية، بل جامعاتنا؛ فلقة واحدة أو فص واحد يعمل، والآخر شبه معطل، حتى أصبح عادة لديهم، فمن النادر أن تجد المعلمين أو المشرفين التربويين بل محاضري كليات التربية أو إعداد المعلمين قد تعلموا كيفية عمل خلايا الدماغ، وكيف تؤثر طريقة التفكير في نمو خلايا الدماغ؟ وكيف يستعملون أساليب واستراتيجيات تستثير الفلقتين معاً لتنمية قدرات طلابنا العقلية الهائلة في جميع المجالات؟
قوالب التعليم مازالت تطارد المعلم والطالب معاً، فالذين تدربوا على استخدام جانب من الدماغ سيجدون صعوبة في استخدام الآخر، برغم أن الفصين إن عملا معاً بالاستثارة والتحفيز والدعم، فسيكون نتاجه تنمية التفكير حتى الإبداع، فهذا العالم نيوتن الذي اعتمد على خياله، ودا فينشي على أبعاده وألوانه وتصويره، وديزني لاند على أحلامه والخيال الواسع.
بقي أن نتتبع طفلاً منذ ولادته حتى دخوله مدارسنا، لنرى كيف تعطل الفلقة اليمنى، فالطفل يبدأ نمو مخه منذ ولادته، وفي العام الأول تكون قد تكونت روابط المخ، وتبدأ معالجة المعلومات دون وعي من بيئته المحيطة به بشكل كبير من خيال وأحلام يقظة...، وينتهي به المطاف حتى دخول المدرسة، فالأطفال يتعلمون باللعب فأين التعليم بالترفيه؟
وكذلك يتعلم الأطفال بالحرية لمتابعة الأمور التي تثير خيالاتهم، ويحتاجون للفرصة للقيام بنفس الشيء وتكراره ليعالج في الذاكرة، ويصبح عادة، ولكن من يسمح لهم بذلك داخل الفصل أو في المدرسة؟
ويتعلمون بالاستكشاف وتُفرض عليهم قيود تعليمية لتُقيد غرائزهم الطبيعية حتى على مستوى الإدراك لأنهم يحسون بكل شيء على طبيعته وبأبعاده الثلاثية لتخيل الحيز والمساحة، فعندما تقول لأحدهم هذا جهاز جوال، فإنه يستطيع إمساكه وتحسسه في الواقع ويتخيل كيف يتكلم به!
وعندما يدخل المدرسة، فإنه يرى الكلمة التي تدرس له تبدأ بحرف الجيم (جوال) هي رسم في ورقة بيضاء مصفحة ومعلم يردد وراءه جوال، جوال فقط!!

مرفأ
طلب أحد الضيوف من أينشتاين أن يريه معمله، فابتسم هذا الرجل العظيم وأمسك بقلمه وأشار به نحو رأسه (من قصيدة لوبرت فالجم)

محمد المسعودي - متخصص في الاستراتيجيات التربوية الحديثة، واشنطن