لاشك أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش منفردا ومنزوياً عن الناس من حوله ولابد من التفاعل والاندماج في المحيط الذي يعيش فيه ، وقد دعا ديننا الحنيف إلى التماسك والتواد والتراحم والترابط ، كما دعا كذلك إلى وقوف المسلم بجانب أخيه المسلم في الفرح والترح .
وما لفت نظري بشدة تلك المواقف التي لا تمت إلى الإسلام بصلة ولا لأوامره ، وإنما هي من دواعي الانحياز التام إلى العصبية الجاهلية الممقوتة والمنبوذة بشتى صورها وهذه التقاليد البالية هي التي يجب أن تندثر وكفانا ما ألم بالمجتمعات من كثرة ترويجها والتمسك بها . ولعل من الصور التي ننادي هنا بالتخلي عنها هي ما يسمى ( بالعشاء ) أو (الغذاء ) في حال وجود حالة وفاة لا سمح الله لأي من أفراد أسرة ما فنجد هناك من يقفز مباشرة ليدعي الشهامة والرجولة قائلا : ( الغذاء عندي ) أو (العشاء عندي ) ، ومن المفارقات الغريبة أن هذا الرجل الشهم لو ذهب إليه بعد الوفاة بشهر ولد من أبناء المتوفي ليستقرض منه مبلغاً ما فإنه يتوارى عنه كما يتوارى الثعلب ، أما المظهرة والرياء الذي ظهر به يوم الوفاة ودفعه مبلغاً من المال يتعدى الخمسة آلاف ريال فإنه لم يكن سوى بوق عال ينفخ فيه أمام الجميع يالرياء والمظهرة الكاذبة ، إذن فالموضوع لا يتعدى المجاملات الكاذبة المنافقة الغرض منها حب الظهور فقط ، وليس الوقوف بجانب أهل المتوفي ، ثم إننا نرى في النهاية أن ثلاثة أرباع هذا الغذاء والعشاء يرمى في سلة النفايات ، أليس من الأجدى أن يذهب هذا المال كما هو إلى أهل المتوفي ، وهم أدرى بما يحتاجونه ليشتروه ، أليس الأولى أن يُنفق هذا المال في عمل خير يكون للمتوفي صدقة جارية مثلا ؟! يا إخواننا لا داعي للمظاهر والمخادعات وتعالوا بنا إلى تغيير هذه التقاليد البالية ولنعمل جميعا ً لمصلحة المجتمع ولا داعي للانسياق بصورة عمياء وراء تقاليد أهلكت كثيراً من أموالنا وأعرافنا الإسلامية ، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ، والوقوف يكون بالعمل المفيد والمساندة الحقيقية لا المساندة الوهمية .
كما أن من الأمور التي تستفز المراقب لذلك هي ما نراه من تدفق الناس بهدف آخر غير المواساة إلى منزل المتوفى فلو كان مجيئهم للمواساة لم يمكثوا أكثر من ربع ساعة ، أما كونهم يذهبون ليجلسوا من الصباح حتى المساء فهذا بقصد تناول الغذاء ، والعشاء ، ومن الناس من يذهبون بعد الدوام مباشرة دون الإحساس بشعور وحالة أهل المتوفى ، حيث أن مجيئهم إليهم يتطلب من يقوم على خدمتهم والعمل على تقديم الغذاء لهم .. أليس من الأولى أن يذهب كل واحد لبيته ثم يأتي في المساء ليجلس عشر دقائق يواسي فيها أهل المتوفى حتى لا يكون هناك إرهاقاً لهم.
إذن فالموضوع إما مظهرة ورياء أو لقافة وغذاء وعشاء فقط .. ولماذا نذهب بعيداً .. فكل منا قد مر بهذه الظروف ولمس مدى التعب والمشقة في مثل هذه الأحوال .. لماذا لا ننظر بعين العقل لنذهب بهذه التقاليد المجحفة .
تحياااااتي