د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري



ليس في الإمكان أبدع مما كان.. يقول أحدنا هذا ولسان حاله يقصد: ليس في الإمكان أبدع من الأمان.


عمق الإحساس بالدنيا وحب الدنيا يلزمه أمن وسلام، غير أن الخوف يتداخل فيما بينهما.. أنماط عدة من حالات الخوف تفرض نفسها على وجودنا، فأحدنا سريع الخطى على الطريق، وبالحرص على الفرصة تتزايد سرعته، وآخر بطيء الحركة تتقاصر خطواته على الطريق حرصاً على الفرصة وأن يصل بأمان، وما الإبطاء في حركته إلا خوف من أثر العجلة ومخاطرها، وأن سرعة الحركة ترهق الأمل وقد تعيق الاستفادة من الفرصة..


قد يدرك المتأني بعض حاجته

وقد يكون مع المستعجل الزلل

وربما فات قوماً جل مطلبهم

من التأني وكان الأمر لو عجلوا

ومشهد آخر حيث العشيرة بتراكم صلة القربى تسعى نحو التجمع - حيث الأمان - ومخاوف الفرد تذوب مع الجماعة فتخف وطأتها على نفسه. وبالقياس نفسه ينطبق هذا على القرية والمدينة صياغة من أجل التجمع وما ينتج عنه من أمن وسكينة.


إن قانون الحياة في عالم الأحياء نمط واحد في معظم الأحيان، فنجد أن الأغنام وما هي عليه من ضعف وبدافع الخوف ومطلب الأمان تكون في حالة تجمهر فتتجمع كقطيع واحد وذلك بالحس الغريزي حرصاً على الأمن اللازم لاستمرار البقاء.


والغني ذو السعة من بعد فقر ومن واقع حرصه على الأمان لنفسه وماله يأخذ به هذا إلى أحد أمرين:


1- إما أن يقتر فهو بخيل، ومرد ذلك ذكريات الفقر وآلامه.


2- وإما تجود يده سخاء؛ حيث ذكريات الفقر تدعوه إلى مواساة الفقراء؛ حيث تجربته مع آلام الفقر..


على الله إخلاق الذي قد بذلته

فلا متلفي بذلي ولا ممسكي بخلي

فهاتوا بخيلاً عاش دهراً ببخله

وهاتوا كريماً مات من كثرة البذل

ونفس المعادلة مع العالم من بعد جهل.. المحصلة أن المطلب واحد، ووسائل تحقيقه تتباين في حركتها على الطريق، والدنيا لا تراعي أحداً بعينه أو أن تبدل قوانينها من أجله، وما نحن بصدده حالة طبيعية لا تأخذ بنا بعيداً خارج الحدود من التكوين الإنساني.


فحب البقاء الجوهر من تفاعلنا مع الحياة وهذا الحس الطبيعي المتعمق تصدمه الوحشة ومخاوف من أحداث المستقبل - فقد يتمنى أحدنا أن يخترق الحجب فيرى المحجوب - إلا أن هذا قد يأخذ به إلى حالة من الرعب؛ فقد يرى الأسود في انتظاره فيزيد خوفه وترتبك حركته وعلاقته بالدنيا، وقد يرى بياضاً ينتظره وهذا يفقده المفاجأة وما تنطوي عليه من زهو وخير، وغالباً يرى الأسود والأبيض معاً فيرتبك ويتعكر أمنه وطمأنينة نفسه.


ومع الغيب نحن في حالة من الشك والأمل، وكلاهما ركيزة الحركة مع الحياة، فتزيد محاولة السعي بوفرة الاجتهاد، ومن أراد أن يرى مظهراً من مظاهر الصورة فليزُرْ دكاكين كشف المحجوب والتنجيم وقراءة الكف... إلخ.


سيجد أعداداً وفيرة من الناس تستجدي معلومة عن المستقبل لتطمئن النفس بمزيد من الأمان، كما أن راغباً يود أن يرى الممكن من حالة الأمن والسكينة فليصلِّ جماعة في المسجد سيجد وسطية فيما بين حب الحياة ولزوم الأمن والسكينة.


فكثير من هذا التواجد في مساجد الله عز وجل يكشف أن أسباب السكينة بأسباب الإيمان والتقوى؛ فالكثير منهم يرى أن الحذر لا يغني من قدر - وحين يغادر مصلاه ينشغل بالعمل والأمل في يومه الواحد - وللغد رب يعدل ويبدل فيقدر أحداثه، وهذا ناتج للإيمان بالخالق والاتكال على عزة جلاله إيماناً بالقدر في خيره وشره.


بكل أسباب الفهم وعمق الوعي فإن حالة من التكيف مع أي شيء نرضاه أمر له مردود إيجابي يمكن من التفاعل الإيجابي، وعلى أساس هذه القاعدة من الأَوْلى أن نأخذ بهذا في أهم الأهم من بين كل شيء - أعني الدنيا - النفس - وأوضاعنا المتعددة مع الحياة، ومن اللازم أن تفعل البصيرة نحو حياة مستقرة يتحقق معها من الإيجابيات الكثير.