مقبول العمراني
صديقٌ عزيز , تعرفت عليه في رحاب الجامعة , يكتب لنفسه ولأصدقائه .
أهداني أحدى كتاباته قبل عدة سنين ونحن على مقاعد الدراسة , سأوردها هنا بعد قليل , بعد إن استأذنت منه طبعاً.

هو الآن مديراً لأحدى المدارس الثانوية بمدينة حقل.

دعوته للتسجيل في المجالس الينبعاويه والمشاركة بها فوعدني بقوله , بعد الإنتها من الإمتحانات إن شاء الله.
[line]


وجهٌ أسمرْ


(1)
المطر ينقر بأصابعه الرقيقة على زجاج نافذتي, وما زالت أمامي صفحات طويلة من المقرر , اشرد قليلاً , فيرجعني صوته الحاد المزعج لأنغمس في محيطات كتابي ( ...قال الشيخ عبد القاهر ـ رحمه الله ـ للاستطراف في تشبيه البنفسج ...)
ـ هل تعتقد بأنك ستتخرج.
ـ ولم لا.
ـ قريب.
ـ لا يهم المهم سوف أتخرج.
أخرجت رأسي من النافذة , كنت كشبح هزيل , ذقني لم أحلقها منذ مدة , عندما اتصلت بأمي أمس قالت: كل جيداً , لا ترهق نفسك... ربنا يوفقك .. طمنّا عليك .
الساعة السادسة صباحا , كان مسكننا يطل على مدرسة ابتدائية ,الصغار بدأوا يتوافدون إلى المدرسة
أحدهم جاء وقد احتضن كتابه توقف أسفل النافذة ونظر إلي , مددت له لساني وأنا أضحك, حدق فيّ, ومد لسانه, ووضع يديه على جانبي رأسه وفردهما .

(2)
(دار ـ راس ....)
ـ اقرأ.
ـ ر ... ا ....س . د...ا ..ر.
ـ شاطر صفقوله .
كنت أسمر صغير ربما بدين قليلاً. كان الصغار ينادوني ( دبدوب ) , كنت أجري خلفهم , هم يضحكون وأنا أبكي ,أمي قالت لي وهي تمسح دموعي : لا تهتم أنت اشطر منهم.
كانت صغيرة في مثل سني .. لها ضفيرتان صغيرتان, وابتسامة, وغمازتان.
ـ الله يخليك حل لي الواجب.
ـ بس يمكن أبلتكم تعرف خط العيال.
ـ لا أبلتنا ما تعرفه.
ـ بس .. تعطيني من الحلاوة .
ـ خلاص أعطيك.
كبرتُ أنا . وكبرت هي , ولازلت انتظر الحلاوة حتى الآن.

(3)
فوزية بدأت تختفي خلف الستار الأسود . بيوت الرمل التي كنا نبنيها ونحن في الابتدائية بدأت تتساقط أمام الرياح التي أتت عندما دخلنا المتوسطة..
كانت قصيرة نوعاً ما .. والعباءة فضفاضة . كنت المح في عينيها بقايا تألق الطفولة.

(4)
فوزية أصبحت تحمل لقب سيدة. إنها تمتلك زوجاً , وأطفالاً, ثلاثة أطفال بالضبط. إني أذكرها
كانت في مثل سني . هكذا النساء نحن نشيب على مقاعد الدراسة وهن يتزوجن بسرعة الصاروخ.

(5)
كنا ثلاثة نتابعه في الممر .. ولازال صوته الحاد يرن في مسمعي .
ـ لن تأخذوا أكثر من د+ طه حسين لو امتحن عندي لن يتخطاها .
ـ نعرف .. لأنه لا يحب المتنبي.
ـ ربما..
يضحك بخبث ويمضي .

(6)
شتاء الرياض بارد هذا العام تماماً مثل برودة قلبي الأجوف. لملمت أشلاء نفسي المتناثرة في أنحاء الغرفة , وقفت أمام المرآة لأعدل عقالي , واتجهت إلى الجامعة , وأنا أرتعد , وأسأل نفسي سؤالاً قديماً.. هل سأتخرج ؟
ويجيبني شخص يخرج بقايا نومٍ ترسب في عيونه.. في المشمش ..

مقبول العمراني

[line]