متعب قبل مرضه وصورته بعد التشخيصات الخاطئة






محمد حضاض (جدة)
قبل ستة اشهر.. وبرغم انه بالكاد اتم الخامسة من عمره الا انه كان متحمساً بشدة.. يريد ان يدخل المدرسة اسوة بابناء عمومته واصدقائه الصغار. قال لوالدته: متى.. يحين الموعد واضع الحقيبة على كتفي وانطلق مع كل صباح الى المدرسة..ولكن ما هي الهدية التي سيفاجئني بها والدي?

ابتسمت ام متعب وتلمست اطرافه الغضة وردت.. سنة واحدة فقط وعندما يشتد عودك ستوافق المدرسة على استقبالك. بعدها بايام قليلة استيقظت اسرة متعب في احد الصباحات على صراخ ابنها الوحيد وهو يبكي من شدة الألم.. تلمسوا جسده, فوجدوه تجاوز الدفء الى السخونة المرتفعة, تفحصوا اطرافه واذ بالآلام المبرحة تسيطر على كل اجزائه, لم ينتظر والده حتى يكتمل شعاع الشمس في السماء ولكنه انطلق به فوراً الى مستشفى الهيئة الملكية في ينبع والخوف يسيطر على قلبه.. فلم يسبق لمتعب ان بكى بشدة مثل ذلك الصباح.

دخل الجميع الى غرفة الطوارئ وبعد ساعات طوال اجتمع فيها عدد من الاطباء لم يفهموا سبب المرض الطارئ, واصروا ان يأخذوا عينة من سائل ظهر الطفل مع انه لايحتمل لدغة البعوض.

تردد الاب عبدالله الجهني (35 عاماً) قليلاً.. فهي المرة الاولى التي يتعرض فيها لموقف عصيب, تشاور هنا وهناك واتصل على بعض رفاقه ذوي الخبرة في المجال الطبي واشاروا عليه بالذهاب لمستشفى متخصص في امراض الطفولة.

فطلب من الاطباء في ينبع ان يأخذ ابنه فوراً وعلى مسؤوليته ويذهب به الى جدة لكي يعرضه على كبار الاستشاريين.

وفي نفس اليوم.. انطلق الجهني وزوجته التي اجتاحتها حالة نفسية سيئة وهي ترى صغيرها يتوجع, وبعد 3 ساعات من السفر وصل الطفل الى المستشفى الحكومي المتخصص, عندها شعر الاب بالامان وكأن ابنه قد اكمل علاجه وشفي من مرضه متيقناً من كفاءة المستشفى وبانه الافضل في المنطقة.

لعب ثم اغماءة

كان متعب وقتها يمشي ويرى ويسمع بل انه احياناً يلعب في الممرات عندما يغفل عنه الالم لدقائق معدودات لكن الاطباء عادوا واجمعوا على ضرورة سحب سائل الظهر, وبعد مشاورات وخوف وقلق اتفقوا مع الاب واجروا عملية شفط السائل ثم ظهرت النتائج وشخصوا الحالة بانها التهاب نسبته 75% لكن احدى الطبيبات فاجأت الاسرة بالتأكيد على ان السبب حمى شوكية.

ساءت حالة الوالدين وانهمرت دموعهما وهما ينظران الى فلذة كبدهما الذي يخضع للحقن بمضادات للحمى الشوكية البكتيرية والفايروسية معاً بالاضافة الى مجموعة هائلة من الادوية في آن واحد حتى جاء اليوم الحزين ودخل متعب في غيبوبة تامة وسرعان ما شخصت حالته, واكدت للاسرة ان مرض متعب ليس حمى ولكنه درن.

سألها الاب عن سر الاغماء.. ولكن بقى سؤاله صدى بدون اجابة.. بدأت المستشفى تحقن متعب بادوية الدرن وادوية اخرى مما اخل بوظائف كلى الصغير وتغيرت نسب الصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم وتراكمت السوائل في اجزاء من جسمه, فحقنوه بمدرات السوائل وبنسب عالية لتظهر على اطرافه فقاقيع مائية وجروح تشبه الحروق وتساقطت اظافره وتقرح فمه وضاق تنفسه.
وامتدت التأثيرات السلبية الى دماغه حتى اضطروا لطلب جراح من مستشفى الملك فهد لعلاج تلك التقرحات المفجعة.

وفي مختبر المستشفى لم يظهر أي اثر للدرن داخل جسم متعب الا انه ظل رهين حقن الدرن لفترة طويلة.

تدخل الجد, الذي طاله التوجع وهو يرى حفيده مثل قطعة القماش لاتقوى على الحراك بعدما كان نابضاً بحيوية الصغار ونبض الطفولة.. حاول انقاذ صغيره خاصة ان الاب والام قد اعيتهما الحيل.. وسيطرت على عقولهما موجات من البكاء المتواصل.

رفع الجد عدة خطابات للجهات المسؤولة التي تجاوبت واقترحت علاجه في المستشفى التخصصي والذي اعتذر لعدم توفر الخدمة المطلوبة ورغم الحالة السيئة التي مازال عليها متعب الا ان اسرته لازالت تتمسك ببصيص الامل في شفائه لكنها كلما اتكأت على معاناته من 16 دواء مختلف الوصف والتفاصيل والجرعات تجرعها في وقت واحد, تسرب القلق الى داخل الاسرة.. وتضاعف الخوف بعدما ذاب جسد متعب من الروسفين, الدكومتازون, ,فانكومايسين, اسكيوفيز, البروفين, الفيفادول, الميروبيتم, ريفاميسين, الفاليوم.. وغيرها من العقاقير في قائمة لاتنتهي. متعب لازال يحن الى المدرسة التي كان يحلم بها حيث بدأ اقرانه في نفس عمره الاستعداد لدخولها العام القادم فهل يلحق بها ام يبكيه اهله طويلاً



عكاظ