ثمن دفن طفلة


د.فؤاد مصطفى عزب
كان صباحا طريا مشعا بالندى, صباحا بكرا كما لو انه اليوم الأول في الكينونة.. كانت عطلة نهاية الاسبوع في كنسس سيتي. مشيت في المركز التجاري القريب من منزلي.. لم أكن أبحث عن شيء بعينه, كنت أمشي بطيئا مثل سلحفاة لفحتني رائحة (الكبتشينو) الصادرة من أحد المقاهي, دخلت المقهى كانت عيناي تبحثان عن تفصيل المكان وأنا أنتظر كوب القهوة وقع نظري على صورة طفلة نائمة مثل خيط من حرير كأنها في غفوة صغيرة مبسترة.. أجمل عينين مغمضتين تحت جبهة انسان غرقت في الحزن وأنا أقرأ ما تحت الصورة (ساهم معنا في تجميع المبلغ المتبقي لدفن هذه الطفلة) مسحت دموعي وأنا أسأل البائعة العجوز عن المبلغ المتبقي وكم مضى من الوقت على موت الصغيرة وانسكبت كلمات العجوز على رأسي كدورق ماء ساخن (أكثر من اسبوع فأسرتها غارقة في الفقر والديون ونحن هنا نساعدهم في جمع المال لدفن الصغيرة).. انقدتها ما تبقى من تكاليف دفن الطفلة وأنا اتأمل ذلك الوجه الوديع الأبيض كالضماد وجلست الى الطاولة اتناول القهوة مرتميا في حضن افكاري واذا بالسيدة العجوز تأتيني وبصوت فيه رنة أسى وحزن قالت لي لم نقابل منذ بداية الأسبوع انسانا بكرمك.. من أين أنت!! ولماذا دفعت كل ذلك المبلغ لدفن طفلة لا تعرفها!! قلت لها أنا من مدينة تصغر فيها كل الأشياء الا الموت, فكرة عدم دفن ميت كل هذه المدة تمزقني كمسلم فنحن نتفق على ان اكرام الميت دفنه. الموت يساوي بيننا نحن المسلمين فكلنا سواسية تحت التراب وتكاليف الدفن لدينا زهيدة للغاية.. قالت لي شكرا على أي حال يبدو لي انك أتيت من مدينة طيبة وتؤمن بدين عظيم لعل الله يجزيك عما فعلت خيرا وانصرفت العجوز لانصرف أنا الآخر من المركز أجرُّ خطواتي اسرح بين البشر وأمسك بمفاصلي.. لم يكن أمامي لحظتها وأنا أدفع باب المركز الرئيسي للمتجر بيدي سوى الاحساس بالفارق الكبير بين الاسلام وغيره.


منقول عكاظ