التوثيق لسِيرة مطرب ينبع «توفيق»




أحمد عبد الرحمن العرفج

الأربعاء 14/05/2014


قَبل أيَّام رَحَل مُطرب يَنبع الشَّهير "توفيق الرويسي" -رحمه الله رَحمةً وَاسِعَة- وحِينَ تَأمَّلتُ الأحدَاث المُصَاحِبة لجَنَازته، مِن ازدحَامٍ شَديد في المَقبرة، إلَى ازدحَامٍ شَديد في أيَّام العَزَاء، أيقنتُ أنَّ أَهل الطَّرَب والمَواهِب؛ لَهم مَكَانَة كَبيرة في نَبض ووجدَان المُجتمع..!
لقد قَال أَحَد السَّلف عِندَما تَناظر مَع شَخصٍ آخَر: (مَوعدنا يَوم الجنَائِز)، بمعنَى أنَّ مَن كَانت جنَازته أكبَر، فهو إلَى النَّاس أَقْرَب، وفي نَبض قلُوبهم أَجْهَر..!
حِين تُوفّي هَذا المُطرب المَوهوب؛ أَرْسَل لِي صَديق الزَّاوية، الذي لَم أَرَه في حيَاتي؛ ومُوَاطِن يَنبع الأصيل؛ الأستاذ "خضر زارع الحربي" يَقول:
(قَبل أَمس تُوفّي فَنَان يَنبع؛ المَشهور بالموّال اليَنبعاوي "توفيق الرويسي"، والله يَا عَامِل المَعرفة، يَا أحمَد بك، لَو رَأيتَ البَشَر الذين خَرجوا لتَشييع جنَازته ودَفنها، لا تُصدِّق عَينَيك، وستَظنّ أنَّ هَذه الجنَازة لـ"رَئيس دَولة" مِن دول العَالَم، أو لـ"شَخصيّة اجتماعيّة" مَحبوبة مِن كُلِّ الأطيَاف.. وقَد كُنتُ يَا أحمَد (يَوم الأحَد) في العَزَاء، وبدُون مُبَالَغة وَقعتُ في طَابور طوله ثَلاثمَائة مِتر؛ حتَّى أَصل لأَهل العَزَاء.. إنَّه لشَيءٌ عَجيبٌ لَم تَرَه عَيني في عَزَاءٍ سَابقٍ)..!
أكثَر مِن ذَلك، والكَلَام -مَازال لـ"خضر زارع"- (لقَد اكتَشفنا مِن خِلال جنَازته وجَماهيريّتها أنَّ النَّاس تُحب الفَن، ولَيس كَما يُقال: إنَّها "مَزامير الشّيطان"، نَسأل الله لَه المَغفرة والرَّحمَة، وأنْ يَجعل قَبره رَوضةً مِن رِيَاض الجنّة).. انتهى!
رَحِمَ الله المَوهوب "توفيق الرويسي"، صَاحب الصَّوت العَذب، والأهازيج اليَنبعَاويّة الآسرة، والجلسَات الغِنَائيّة السَّاحِرة، فمَازلتُ أتذكَّر مَوّاله المَشهور الذي يَقول فِيهِ: "حوشو الهَوَا عَن فُؤادي.. تَرَى الهَوَى يجرح.. جَرَح فُؤادي ولَا خَلَّا ولَا مَطْرَح"..!
لقد تَتبَّعتُ سِيرة هَذا المُطرب الأصيل والرَّجُل النَّبيل، وسَمعتُ النَّاس تَصفه قَائِلة: إنَّه رَجُلٌ كَريمٌ مُحبٌّ للجَميع، لَيس لَه إسَاءَة عَلى أَحَد، مُرهف الحِسِّ، دَمعته قَريبَة مِن عَينه.. لَيس مِن أصحَاب الأموَال ولا المَنَاصِب، عَرَفَه النَّاس مِن خِلال الفَن فَقط، وأَحبّه الجَميع مِن خِلال الفَن أيضًا..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: رَحِمَ الله تَوفيق، وأسكنَه فَسيح جنّاته، فقَد عَاش مُحبًّا للحيَاة، قَريبًا مِن النَّاس، يُشاركهم في نَبضَاتهم، ويُساهم في أفرَاحِهم، ولقَد صَدَق أخي "خضر زارع" حِين قَال في كَسرة أَرسلها لِي لأنشُرها يَقول فِيها:
وَقَفْت لَجل العَزَا سَاعَات
تَاريخ يحتَاج له تَوثيق
مَا تقول إلاّ زَعيم ومَات
مَا تقول هَذا عَزَا تَوفيق