بسم الله الرحمن الرحيم


خطاب الملك عبدالعزيز للعلماء وتحذيره من الشذوذ في الفتوى .

صحيفة المسك:


خطاب العلماء للملك عبد العزيز

" من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل، إلى من يراه من علماء المسلمين وإخوانهم المنتسبين، وفقنا الله وإياهم لما يحبه ويرضاه، آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد ذلك: هذا كتاب إخوانكم المشايخ، تشرفون عليه، والعمل –إن شاء الله- على ما فيه، ثم بعد ذلك مهوب خافيكم أول منشأ هذا الأمر وتقويمه، أنه من الله ثم أسباب الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، وأوائلنا رحمهم الله، وما جرى على المسلمين من اختلاف ولايتهم مراراً.

وكلما اختلف الأمر، وشارف الناس لنقض دين الله، وإطفاء نوره، أبى الله وأخرج من هالحمولتين من يقوم بذلك، حتى إن آخرهم والدنا، وشيخنا الشيخ: عبدالله بن عبداللطيف ، نرجو الله أن يجبرنا في مصيبتنا فيه، بعز الإسلام والمسلمين، وأن الله سبحانه يظهر في عقبهم من يقوم مقامهم، وأن الله سبحانه يعيضه بنا رضوانه والجنة.

ولهوب خافي أحداً مقامه في آخر هذا الزمان، والتزامه في أمر هذا الفصل، الذي لا حياة إلا به، وصار نوراً وقوة لكل عارف، عاقل في أمر دينه ودنياه، وردع أهل البدع والضلال، ولا نقول إلا: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا خيراً، واخلفنا خيراً منها.

ثم بعد ذلك تفهمون: أن أسباب الشر كثيرة، ولا بد أن يحصل من الناس بعض شوفات: أحدٍ يدوّر المخالفة، وأحدٍ يدوّر التروّس، وأحدٍ جاهل يريد الحق، ولكن خفي عليه سبيل الحق، فاتبع هواه ، وهذا أمر كله مخالف للشرع.

والحمدلله: ما حنا في شك من أمر ديننا.

وتفهمون : أنه من حين أظهر الله الشيخ محمد بن عبدالوهاب، في قرن أطيب من وقتنا، ورجال أطيب من رجالنا، وعلماء أطيب من علمائنا، فسدد الله به، وقام بهذه الكلمة، وجدد الله أمر هذا الأصل، وأنقذ الله بأسبابه الناس من الظلمات إلى النور.

فبان أمره لأولي الأبصار، وخفي ذلك على كثير من الناس، وعاند من أزاغ الله قلبه، وأعمى بصيرته .

وقبل هذا الحق ورضيه آباؤنا، وأجدادنا، وعلماء المسلمين، فيما أتى به من الأصل والفرع، ويتعين علينا – إن شاء الله - أن نقتدي بما اقتدوا به.

ولهوب خافيكم: حال هذا الزمان، وكثرة الطالب والسائل، وقلة البصيرة والفهم.

وأيضاً مهوب خافيكم: اختلاف العلماء في أمور الفروع؛ فلابد أن كل إنسان يدّعي المعرفة على جهل: إما أحدٍ يسمع حديثاً، أو قولاً من أقوال العلماء، لا يعرف حقيقته، فيفتي به، أو يكون أحدٍ له مقصد، يدوّر الأقوال المخالفة ؛ مقصوده الخلاف، إما مخالفة أحدٍ من علماء المسلمين، أو يبـي يقال: هذا فلان! يدوّر بذلك رياسة، أو شيئاً من أمور الدنيا، نعوذ بالله من ذلك.

فالآن يكون الأمر على ما ذكر المشايخ أعلاه، فمن أفتى أو تكلم بكلام مخالف لما عليه الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وأولاده: عبدالله، وعبدالرحمن، وعبداللطيف، وعبدالله بن عبداللطيف، فهو متعرض للخطر ؛ لأننا نعرف أنه ما يخالفهم إلا إنسان مراوز للشر والفتنة بين المسلمين.

فأنتم –إن شاء الله- يا جميع علماء المسلمين التزموا بهذا الأمر، وقوموا على من خالفه، ومن سمعتم منه مخالفة في قليل أو كثير، ما قدرتم عليه نفذوه، وما لم تقدروا عليه ارفعوه إلينا، إلا إن كان هنا إنسان عنده في مخالفتهم دليل من الكتاب، أو من السنة، فلا يتكلم حتى يعرض أمره على علماء المسلمين، وتعرف حقيقته، فأما المتعرض بغير ذلك، أو قبل تبيين الأمر، فذمتنا وذمة المسلمين بريئة منه، ويكون عنده معلوماً أنه على خطر منا.

ثم أوصيكم، يا علماء المسلمين: بالقيام لله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعليم الناس ؛ خصوصاً هذا الأصل، وأن تجتهدوا وتديموا الجلوس والمباشرة لإخوانكم المسلمين .

ومن كان تعلمون منه سداداً، ومنشبته دنيا أو تكاسل، ترفعون أمره إلينا، حتى نلزمه بطلب العلم .

والأمر من ذمتي في ذمتكم، لا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا بتعليم الأصل، ولا بردع الجهل والقيام على صاحبه، فلا أنتم بحل مني إذا ما اجتهدتم وقمتم بهذا الأمر، كما أنه الواجب عليكم.

وتفهمون أني إن شاء الله: خادم للشرع، لا بنفسي ولا بما تحت يدي، فافطنوا لموقف بيوقفني الله أنا وأنتم، والعالمين؛ وهذا أمر برئت منه ذمتي وتعلق بذمتكم، نرجو الله أن يعيننا وإياكم على القيام بما يرضيه، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، وأن الله سبحانه ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويجعلنا وإياكم من أنصاره.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

سنة 1339هـ

[ المصدر : " الدرر السنية في الأجوبة النجدية " ( 14 / 377-380) ، و كتاب " لسراة الليل هتف الصباح " للأستاذ عبدالعزيز التويجري ( ص 520 – 523) وقد نشر صورة الخطاب ] .