بقلم / خلف الحربي


حصل الدكتور طرطشلي على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد المبلل، وكانت رسالته بعنوان (تسريب المليارات من تحت البلاعات)، وللأسف الشديد لا يمكن العثور على الجامعة التي منحته هذه الشهادة لأنها غرقت في إعصار كاترينا أو إعصار الكرنتينا، المهم أن الدكتور طرطشلي عاد إلى أرض الوطن كي (يطفح) في بلده ويطفو فوق سطح الماء الذي يحبه.
تم تعيين الدكتور طرطشلي في أحد القطاعات الحيوية المتعلقة بمجاري المياه، وحصل على منصب (كبير المسلكين)، ولأنه رجل عملي يؤمن بالقاعدة التي تقول: الوقت كالسيل إن لم تشفطه أغرقك، فقد أنشأ على الفور شركة لتسريب المياه سجلها باسم زوجته (السيدة ماصورة طافح)؛ لإيمانه بأهمية تزاوج المهام بين القطاعين الخاص والعام وضرورة تنظيم عملية تسرب الأموال العامة، ثم أسس شركة أخرى لإصلاح حالات التسرب الناتجة عن أعمال الشركة الأولى باسم والدته السيدة (عوامة طرطشلي)، وذلك للاستفادة من كل نقطة مياه يمكن أن تهبط من حنفية التنمية.
وتعتبر سيرة الدكتور طرطشلي نموذجا مثاليا لشخصية الإنسان العصامي الذي استطاع تكوين ثروة طائلة في خمس دقائق، حيث كافح من أجل تسليك جميع المناطق المسدودة التي اعترضت عملية تسرب الأموال إلى جيبه بالاعتماد على تقنية (الرش) و(الطرطشة) حتى أصبح واحدا من أكبر السباكين في تاريخ هذه المدينة، وبعد أن تقاعد دمج شركاته في شركة كبرى اسمها (مواصير)، وطرح جزءا من أسهمها للاكتتاب العام، وحصل بالطبع على علاوة إصدار تضمن ثراء عائلة طرطشلي من هنا حتى نهاية القرن الثاني والعشرين.
لم يكن الدكتور طرطشلي يؤمن بأهمية ارتباط بيارات المجاري ببعضها البعض، بل كان يفضل أن تعمل كل بيارة بشكل مستقل عن الأخرى لأنه رجل عصري يؤمن باللا مركزية، لذلك ابتلع ميزانية أنابيب الربط والحفريات الخاصة بتمديد هذه الأنابيب وخصص أموالها لدعم أبحاث الطرطشة في دماغه؛ كي تطفح الأفكار العبقرية في ذهنه، ويدعم الاقتصاد المحلي بالعديد من المشاريع الحيوية، كلما هطلت الأمطار!.
ولأن سعادة الدكتور عرف بأياديه البيضاء المبلولة، فقد تبرع بمليون جنيه استرليني لدعم برنامج حماية الضفادع في نهر التايمز، كما تبرع بمليوني دولار لدعم مركز أبحاث الطحالب في الولايات المتحدة الأمريكية، ويدرس هذه الأيام فكرة الهجرة إلى جزر المالديف بعد أن سمع أنها معرضة للغرق، وقرأ في الصحف أن مجلس وزرائها عقد اجتماعا في قاع البحر، حيث يسعى الدكتور طرطشلي في هذه المرحلة إلى كتابة مذكراته وتلخيص تجربة حياته المبلولة؛ كي تستفيد منها الأجيال الغارقة، وقد اختار لهذا الكتاب عنوانا جميلا هو: (اشربوا من البحر)!.