....................... محمد يوسف أبو كرسوم ................................
عندما يقول :
وين الصــــبر دلني ياعـيـــــن......أبغـــــــى منـه ضد لفـــــــراقي
لا أخاله يكتب الكسرة إلا تحت هذا المانشيت العريض :
اكتبيني لحظـــــــة تقـــــرؤني......أعين الورد وأنفاس الصباح
وفي طقوس يستروح من خلالها شيق الحرف وريعان الكلمة .
أغرتني للحديث عنه تلك التطريفة الجميلة عن آخر الموضوع الشيق الذي كتبه الأستاذ عطية عيد في مقاله (هوية الشعراء) ..
أثار كوامن الشجن الهاجع بالإعجاب يتأتى عن ترويسة الأمس ، غيبه اليوم هذا البعد بالكسرة عن الهندسة المطبوعة فأجده الحس الدافئ باختلاجات العاطفة تتموج بالمفردة تنويعات عذبة وسباحة توقيعية .. ما أجملها في قوله :
ويكنـــــما عطـرها بورود......تطعيم مثنى من الأشجـــار
ريحه لها شبه عطر العود...... وأرياح شتى من الأزهــار
يشدك معها هذا التوظيف للتركيبة الشعبية مع الفصيح (وي كأن) .. والقدرة لديه على تطريحة الغصن فينبت بالإخضرار المشتهى في مواسم الكسرات ..
اسمعه ..
يشدو سمعته حمام الأيك......على غصن في طوارف حوض
لـما رنـــا قــال لي لبيــك......قلت العفو يا حمـــــام الروض
وفي قوله :
سلام والفجــــــر لا لاحا......يطـــري عليّ الرفق وازهــــــم
وفي سياحة في اتجاه ما وقفت عليه من كسرات لشاعرنا المرحوم محمد يوسف أجد بأنه صاحب قاموس لفظي خاص به .. يتفرد من خلاله على غالبية شعراء عصره .
وفي قراءة لمناجاته الرافهة :
أناجي الورد في خديــك ........ عذبا عذي ما أتاه الخوض
تلمس نعومتها بما يستدعي الصورة الشاعرة عند الشاعر العباسي (علي بن الجهم) المستوحاة من ترف القصر (في عيون المها) .. وأرجع لأبحر معه شراعا لاهثا وراء صورته ..
تبخـــترت وانبعث تيـــــــــــــــار...... من عينــــــها ظبيـــــة الوادي
وأعود تأملات في :
حـــــوادث الود باستمـــرار......لكن لها ضد ما حصــلت
اسعى لها في دجى الأسحار......مهتم في شانها ما اهمـلت
كيف الوسـيله معــــه بانوار......حجــه لقدمتـــــها واصـلت
اهل الهوى خدع باستعمـــار......لو إن من الباقيات أفصلت
جملة من المفردات الموظفة في مكانها ، والمنتقاة كأجمل ما تكون الدقة وحسن الاختيار والمكنة اللفظية الثرية عنده .. بالوقوف عليها والتحليل لها يترسم عند القارئ أو السامع للوهلة الأولى أنه أمام شاعر غير عادٍ وبما يتوافق معي على أنه صاحب قاموس متميز ، وبصمة واضحة تتعقبه من خلالها .. تعرفه بمجرد الحس بها ، ولا يختلف عليه اثنان على أنه شاعر الورود ..
وردة وعشــاقها نعســــان.......ومن لذة النوم حارمتــــــه
لكن جفا والجفــا شتــــــان......بينــــه وما بيــــن ظالمتــه
*****
ويا ذات الأفكار ما هــذا......اللي جعل خاطري مذهل
هـاتـف هتفـــــلي ثم لاذا......رامي رمى صـايبه ما زل
نداء لا يأتي به إلا مثله من الشعراء المقتدرين على الكلمة في لحظة من الذهول العذب لمن يؤسس للكسرة لغة لها خصيصتها ..
أسست ساس الهوى صقلم وابذلت جهدي ولا قصرت
هذه هي الكسرة عنده في صورتها (الحكاية) وهذا هو شاعرنا .. تطلعات سبقت عصره ، تتوافق اليوم مع معطيات الطرح النقدي والتجديد المطلوب للمفردة والصياغة ..
وفي دعوة للصفحة وأخي ياسر الاهتمام به كشاعر أغفله الضوء ، لكنه استطاع أن يظل في ذاكرة الموروث علما من أعلام الكسرة في ينبع ..
دمعة في وداع عزيز ..
الموت سلطه على روحي......وسلطة الموت ما اقواها
كل ما تعزيت بجروحي......ايردها جــــــــداد واحياها
المفضلات