( 4 )


انبلج الفجر على مشهد رهيب يشيب لهوله الولدان .. عشرات الألوف من فرسان كسرى يحجبون الشمس الطالعة التى ترقب بدهشة وتسجّل الى أي مدى تبلغ غطرسة الطغاة وصلفهم وتجبرهم .

ولكن القبائل العربية تلاحمت وتساندت وتواصت وهجمت هجمة واحدة ليبدأ اليوم الأول من هذه الموقعة الهائلة والتى عرفت بوقعة ذى قار .

وقفت صفية ترقب وقلبها يكاد ينخلع من هول ماترى , تكاثر جنود العجم على العرب حتى كادوا ينهزمون.. راحت ترقب من بعيد شقيقها الأصغر فارس بنى شيبان عمرو بن ثعلبة وهو يلقى ينفسه بين جموع العجم كأنه الموت لادافع له , كان يشق الصفوف ويجندل الفرسان ... ولكن العجم يتكاثرون ويتكاثرون كأن لا نهاية للأعداد التى جاء بها كسرى .

بدأ العرب تحت وطأة الكثرة الضارية يتراجعون .. فهجمت صفية بسيف مسلول تقطع حبال هوادج النساء , فسقطت النساء عن الجمال , ورأى رجالهن ذلك , فعطفوا على القتال عطفة من لا يريد الحياة .. شقت الحجيجة الصفوف مقتربة من اخيها بحيث يسمعها وراحت تصيح :
[poet font="Simplified Arabic,5,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
ياعمروُ ياعمرو الفتى بنَ ثعلبة
حامِ على جارتك المُستقرَبةْ
وزاحم العجمان عند العقَبةْ .
[/poet]
فحمل اخوها والرجال حملة صادقة , ولكن الكثرة كادت تفنيهم .. واذا بغبار هائل يتصاعد من الأفق , فقد احست قبيلة بنى يشكر وعليها فارس العرب ظليم بن الحارث وشاعرهم الحارث بن حلّزة اليشكرى , بما يحدث مع قومهم , فجاءوا مددا ضد كسرى .

صاحت صفية كالمجنونة :
[poet font="Simplified Arabic,5,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
هذا ظليم جاءكم فى يَشكُرِِ=كليث غاباتٍ مهوسٍ مُخْدرِِ
يا فارسا تحت العجاج الأكبرِِِ=إحْملْ هُديتَ حملةَالمنتصرِِ
[/poet]
هجم اليشكريون وفرّجوا عن بنى شيبان .. وصفية تقول :
[poet font="Simplified Arabic,5,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
احمل ظليمُ فى العجاج الأسودِ=ادرك فأنت غاية المستنجدِ
واعدُ على القومِ كعدو الأسدِ=باليشكريين كرام المحتدِ
[/poet]
غابت الشمس , وافترق الجمعان , وانتهى اليوم الأول .

ارسلت الحجيجة الى الطميح شيخ قبيلة اياد والقائد العربي فى جيش كسرى :
[poet font="Simplified Arabic,5,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
ليس للعُجْم نُصرٍَِةٌ فى عشيرى=إن ارادَ الطميحُ نجلُ الكرامِ
ان تولت لنا إيادُ انهزاما=كان منهم هزيمةُ الأعجامِ
وملكنا العُلّوَ والفخرَ طولَ=الدهرحتى آخر الأيامِ
ان نصرَ الطميح أكرمُ نصرٍ=وحُنوٍّ على بنى الأعمامِ
[/poet]
فوافقها الطميحُ على ذلك .

وفى اليوم الثانى فوجئ كسرى بقبيلة إياد تترك صفوفه و تنضم الى العرب , فأعاد ترتيب صفوفه وبدأ القتال الطاحن حتى غابت الشمس وافترق الجمعان . وفى اليوم الثالث كان تفوق العجم واضحا ولكن بسالة العرب مكنتهم من الصمود .


[ALIGN=CENTER]يتبع[/ALIGN]