كلنا فخر بعالمة الأوبئة الدكتورة ميّادة الجهني
وأخلص التهاني لوالدها صديقنا العزيز الأستاذ : علي أبو زيد الجهني


11-01-2022 | المصدر: النهار العربي


عالمة الأوبئة السعودية، الدكتورة ميادة الجهني، في حديث مع "النهار العربي".


ينبع اهتمام الدكتورة ميادة الجهني بالصحة العامة من الإدراك البسيط ولكن القوي بأن "أهم شيء في الحياة هو الحياة نفسها". اتّخذت من هذه القناعة سلاحاً للوصول إلى ما هي عليه اليوم "عالمة أوبئة السرطان". وعلم الأوبئة من التخصصات المهمة والأساسية التي تهتم بالحفاظ على الصحة العامة للمجتمعات ومكافحة الأمراض والوقاية منها، لكن الانتشار الكبير لمرض السرطان في مجتمعاتنا العربية، وقلّة الأبحاث المنتشِرة التي تخصّ هذه المجتمعات كانا السبب الأساسي لسلوكها هذا التخصّص.



ولدت الجهني في الولايات المتحدة الأميركية حيث كان والدها يدرس الماجستير. وفيما نشأت في السعودية، "كانت طفولتي جميلة ومستقرة، إذ اهتمّ والداي بتعليمنا، وحرصا دائماً على حصولنا على أعلى مستويات التعليم"، تروي ميادة. والجهني حالياً هي باحثة أوبئة في معهد "لورانس جي إليسون" للطب التحويلي في جامعة جنوب كاليفورنيا.


يهتمّ علم الأوبئة بالمنهجية البحثية العلمية، إذ إن من إحدى مسؤوليات عالِم الأوبئة، تقييم البحوث الطبية المقدَّمة للنشر، للتأكّد من استخدام المنهجية البحثية الصحيحة. وتعدد مسؤوليات هذا العالِم وتهتم بنواحي كثيرة، جميعها تصب في نهاية المطاف بالهدف الأسمى، وهو حماية المجتمعات من الأمراض الوبائية والمعدِية والمنتشِرة. ويحافظ هذا العلم على صحة المجتمعات عبر تحليل وتقييم البيانات المجتمَعية التي تُجمع عادة في المراكز الحكومية الصحية المسؤولة عن مراقبة الأمراض المنتشرة في المجتمعات. هذا ما توضحه عالمة الأوبئة عن أهمية مجال عملها.


والجهني، هي عالمة وبائيات متخصِّصة في وبائيات السرطان. وفي أنشطتها اليومية، أنهاى تجري أبحاثاً تهدف إلى السيطرة على السرطان والوقاية منه وعلاجه. وتركّزت أبحاثها على ثلاثة مجالات رئيسية، تشمل تقييم وتحسين إرشادات علاج السرطان، التقييم المقارَن للنتائج السريرية في رعاية مرضى السرطان، واقتصادات الصحة لرعاية مرضى السرطان.


* لكن ما الذي دفعك لدخول عالم الأوبئة؟
وما الذي يجذب النساء في مثل هذه التخصصات التي لطالما هيمن عليها العنصر الذكوري؟

- تجيب الجهني أنّ "قد يكون الطغيان الذكوري في مجال علم الأوبئة في مجتمعاتنا الشرقية، أكبر، لكن يختلف الوضع بالنسبة لمجتمع الولايات المتحدة الأميركية". وتضيف إنّما "السبب الذي استهواني في التخصص في أبحاث أمراض السرطان هو الانتشار الكبير لهذا المرض في مجتمعاتنا العربية، وقلّة الأبحاث المنتشِرة التي تخصّ مجتمعاتنا، على عكس تماماً دراسات البحوث السرطانية في شمال أميركا وأوروبا". إذ تهتمّ هذه الدول وتؤمن بأهمية الأبحاث في أمراض السرطان، وتنفق الملايين من الدولارات لإيجاد أو تحسين علاج للسرطان للمحافظة على روح مريض السرطان ورفع معدل حياته وجودتها.


وينبع اهتمامها بالصحة العامة من الإدراك البسيط ولكن القوي بأن "أهم شيء في الحياة هو الحياة نفسها". متسلّحةً بهذه القناعة، "قررت أن أكرّس حياتي المهنية للتقدّم والتأثير بشكل إيجابي على أكبر عدد ممكن من الأرواح"، تقول الجهني. ومع تدريب جامعي في الرياضيات، انضمّت ميادة إلى برنامج ماجستير في الصحة العامة لتتخصّص في الإحصاء الحيوي، والذي أتبعته دكتوراه في الصحة العامة في علم الأوبئة.


وفي عصر توصيات علاج السرطان المتطوِّرة، ركّز بحث الجهني على تقييم وتحسين إرشادات علاج السرطان باستخدام قواعد البيانات السكانية لتحديد المجالات التي تحتاج إلى توضيح وتحسين. و"بصفتي عالمة"، بحسب الجهني، يوفّر علم الأوبئة الأداة والمنصة لمساعدة أكبر عدد من الناس.

ما يجذبها في عالم الأوبئة وأبحاثها، هو أولاً أهميّتها في تغيير حياة المريض إلى الأفضل، كمثال إيجاد العلاج الأنسب لمرضى السرطان للأعمار الصغيرة من طريق الأبحاث. إلى ذلك، التنوّع في المهام البحثية التي تخصّ أبحاث السرطان، كان أيضاً شغفاً لدى الجهني. وبحكم تخصّصها في وبائيات السرطان، تقول: "أمكنني من اكتساب خبرات عديده تؤهلني للمشاركة في أكثر من مهام بحثية".


وجودها في الولايات المتحدة الأميركية فتح لها آفاقاً أوسع وأكبر في مسيرتها المهنية. فالولايات المتحدة من أكثر دول العالم في الإنفاق على أبحاث السرطان، إضافة إلى وجود العديد من الخبرات التي كرست حياتها في أبحاث السرطان، وأيضاً موضحةً أهمية "توفُّر العنصر المهمّ في نوعية أبحاثنا، وهو الحصول على بيانات المرضى المصابين بالسرطان للتمكّن من تحليلها ودراسة العوامل التي رفعت أو ضاعفت من معدّل الحياة للمريض، فبلا شك الإمكانات المتوفَّرة والخبرات أضافت إلى رصيدي العلمي الكثير في السنوات الماضية".

وعن التحديات التي أعاقت مسيرة أبحاثها، "يوجد العديد"، تورد الجهني، فمن الصعوبات التي يواجهها أي باحث هي الغربة والبُعد من الأهل ومضاعفة الجهد للموازنة بين أولادي والعمل.



* إلى أي مدى غيّر انتشار جائحة كورونا في علم الأوبئة بحدّ ذاته؟
- برأي الجهني، من منظار علم الأوبئة لم تغيّر الجائحة في علم الأوبئة بحدّ ذاته، إذ كانت خصائص فيروس كورونا من ناحية الانتشار ووصول الذروة شبيه بالفيروسات السابقة. لكن التكوين الجيني والبروتيني للفيروس هو الذي يكمن فيه التغيير عن الفيروسات السابقة، ممّا شكّل تحدّياً لعلماء الميكروبيولوجيا للوصول إلى التكوين البروتيني للفيروس.


وعن كيفية انتهاء الأوبئة، تورد الجهني
"بالوصول إلى مناعة القطيع وذلك عبر تطعيم وتقوية مناعة المجتمعات إلى أكبر حد ممكن". وقد قطع العالم شوطاً كبيراً في احتواء الوباء، ومن أهمّها وجود اللقاح المقوّي لمناعة الإنسان في مواجهة الفيروس. الخطوة المقبِلة والأهمّ، بنظر الجهني، هي "توفّر اللقاح لأكبر عدد ممكن في أسرع وقت ممكن، للوصول للوضع الأمثل في التغلّب على الفيروس، وعامل الوقت مهم وذلك لمواجهة أي متحور مستجِّد في العالم، فكلّما كان توفّر اللقاح بطيء، كلّما أعطينا فرصة أكبر للفيروس للتحوّر".


وفي سؤال عن مدى تسبّب القلق والتوتر في ضعف مناعة الشخص من جهة، وإصابته بالسرطان من جهة أخرى، تؤكّد الجهني أنّ إصابة الفرد بالقلق لفترات طويلة تضعف مناعته، ويستجيب جسم الإنسان في هذه الحالة بأن يستخدم خلايا الدم البيضاء للتأهّب لأي مقاومَة كردة فعل للقلق، وذلك يضعف من مناعة الفرد، إذ تحتاج المناعة التوفير من الخلايا البيضاء المضادة والمقاومة للأجسام المعادية. لذلك، أدخل علماء أبحاث السرطان القلق في قائمة العوامل المساعِدة للإصابة بالسرطان بجميع أنواعه.

وعن تقيّمها لدور المرأة في مجال علم الأوبئة، ترى العالمة أنّ "المرأة كانت ولا تزال عاملاً فعالاً في مجال علم الأوبئة". فالعديد من الممارسين والمتخصّصين العاملين في مجال علم الأوبئة هم من النساء اللواتي أثبتن جدارتهنّ في هذا المجال. والعديد من المناصب القيادية في مجال علم الأوبئة والصحة العامة في الولايات المتحدة، وخصوصاً في ولاية كالفورنيا -حيث تعيش الجهني- أبلت الدكتورة فيري بلاءً حسناً في مواجهة فيروس كورنا بقيادة فريقٍ كاملٍ لا يقل عن 10 آلاف شخص، حيث تولّت رئاسة أكبر قسم صحة عامة في الولايات المتحدة.

رابط اللقاء
https://www.annaharar.com/arabic/lifestyle/from-the-world/08012022123448553