"الصبحي" يروي عبور قوافل الحج ودروبه السالكة إلى مكة والمدينة

"درب الحاج" ذو حجارة مرصوفة ويمر بينبع كمحطة مهمة بطريق الحج






جزء من درب الحاج شمال ينبع



صحيفة سبق الإلكترونية - ينبع ـ ماجد الرفاعي


28 أغسطس 2017 - 6 ذو الحجة 1438

روى لـ"سبق" رئيس لجنة أصدقاء التراث بينبع عواد محمود الصبحي أنه على مر السنين كانت ينبع من مناطق عبور قوافل الحج والتجارة وغيرها من الحملات، وكل من يتجه شمال ينبع يشاهد طريقًا ممهدًا ومتعرجًا، يمر بين الجبال، وله معالم واضحة من الحجارة المرصوفة على جانبَيْه، ما زالت آثارها باقية إلى اليوم، وهو ما يعرف بـ"درب الحاج"، ويطلق عليه أيضًا "طريق الحاج المصري"، وهو مخصص لحجاج الشام ومصر وشمال إفريقيا وغيرهم.

وأضاف "الصبحي": لو تتبَّعنا الطريق من قرية نبط (مائة كيلو إلى الشمال)، التي أصبحت مركزًا تابعًا لمحافظة ينبع، نجد درب الحاج هذا يمر بعدد من الآبار التي يستقي منها الحجاج حتى يصلوا إلى محطتهم المهمة (ينبع). ومن خلال كتب التاريخ والرحالة نستخلص بعض المعلومات التاريخية المختصرة التي يتحدث فيها المؤرخون عن هذه الحقبة المهمة في تاريخ الحج ودروبه السالكة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة مرورًا بينبع.

وأردف: يصف مؤلف كتاب "مرآة الحرمين"، اللواء إبراهيم باشا، هذا الطريق من ينبع إلى المدينة في رحلته للحج عام 1322 هـ على ثماني مراحل، يمر خلالها بالعربان في قرى ينبع النخل، فيقول: "من ينبع البحر إلى قبيل المبارك لقبيلة الربياوي، ومن المبارك إلى خيف العلقمية للإشراف من ذوي هجار، ومن العلقمية إلى الجابرية أو السويق للمساوية والصيادلة، ومن السويق إلى البثنة وخيف حسين لبني إبراهيم ولمسيرة أربع ساعات لقبيلة ذبيان، ومن حدود ذبيان إلى أم هشيم لقبيلة الربياوي، ومن أم هشيم إلى المقرح للعامري، ومن المقرح إلى ترعة للزايدي، ومن ترعة إلى ما بعد المليليح بمسيرة ثلاث ساعات لقبيلة عروة، ومن حدود عروة إلى المدينة المنورة لبني محمد وهم السعدي والتميمي والوافي وولد سليم".

وذكر "الصبحي": كان الحجاج يرتاحون في ينبع النخل، ويقيمون فيها ثلاثة أيام، سواء كان وصولهم من هذا الطريق أو من طريق آخر؛ فهي من المحطات المهمة في مسيرتهم، يريحون فيها أنفسهم ودوابهم من مشاق السفر، ويتزودون بما يحتاجون إليه من أصناف الطعام واللحوم والسمن والعسل والتمر.. ومن الطرق الأخرى التي تسلكها قوافل الحجاج المتجهة من ينبع للمدينة المنورة طريق يمر بمحافظة بدر مرورا بخيوف وادي الصفراء إلى الخيف، ثم المسيجيد والفريش فآبار علي، ثم المدينة، ويعرف بالطريق السلطاني. وفي مراحل أخرى كانت القوافل تخرج من ينبع سالكة طريق المسيحلي إلى واسط فبئر سعيد ثم بئر الروحاء وبئر درويش حتى المدينة.

وتابع: نلاحظ أن تعدُّد الطرق خاضع لظروف القافلة، وللنواحي الأمنية التي تضمن سلامة الحجاج، وعدم تعرضهم لأذى قطَّاع الطرق من العربان؛ إذ لم يكن الأمن في تلك الحقبة يسيطر على هذه الممرات.

وأوضح "الصبحي": عند وصول الحجاج لينبع عن طريق البحر في سنة 1301 هـ بدأ استعمال السفن التجارية في نقل الحجاج من السويس إلى كل من جدة وينبع؛ ما جعل الطريق البري يخف اسـتخدامه، ويفقد أهميته. وفي سنة 1321 هـ بدأ نقل المحمل المصري عن طريق ميناء ينبع - كما ذكر ذلك اللواء إبراهيم باشا - واســتمر ميناء ينبع في اســتقبال الحجاج بعد ذلك غير أن تشغيل خط سكة حديد الحجاز سنة 1326هـ، خاصة لحجاج الشـام وتركيا، قضى على الطريق البري تمامًا، وتواصل استقبال الحجاج في ينبع إلى سنة 1359هـ وقت قيام الحرب العالمية الثانية، وتوقف بعدها إلى أن عاد مرة أخرى في مطلع الثمانينيات الهجرية حتى يومنا هذا على فترات متقطعة، بحسب جاهزية الميناء وعدد الحجاج الراغبين.

وتابع: يثبت المتتبِّعون لرحلات الحج عبر هذه الدروب، وعلى امتداد طرق الحج القديمة ومحطاته، ما شهده الناس من منافع لهم في تجارتهم وثقافاتهم ومعارفهم.. وقد أثـرت تلك القوافل بحجاجها وأمرائها في النسق الاجتماعي للتجمعات الواقعة على تلك الدروب؛ فكانت جسورًا للتواصل بين الأمصار الإسلامية، وكانت أسواق ينبع تنشط في مواسم الحج، وتزداد الحركة التجارية بوجود الحجاج وشرائهم لما يحتاجون إليه من المؤن والغذاء، ومن بيع الماء الذي يجلبونه من الصهاريج والبرك. كما يستفيد أهالي ينبع البحر من تخزين حاجات الحجاج وأمتعتهم وبضائعهم، يتركونها مقابل مبلغ معين لحين عودتهم من أداء فريضة الحج.

وأضاف "الصبحي": أفادني بعض كبار السن بأن الحجاج إذا وصلوا ينبع أقاموا فيها أيامًا، يسكنون مع الأهالي في جزء من المنزل لقاء أجر بسيط، ويتم التعارف بين الحجاج والأهالي، وقد يتواصلون بعد ذلك بصحبة دائمة وذكرى طيبة.

واختتم "الصبحي": أما ما ذُكر من معاناة الحجاج وقوافلهم سابقًا من اعتداءات العربان وهم في سيرهم عبر الطريق السلطاني من ينبع إلى المدينة فقد أصبح هذا الأمر من الروايات والأحاديث عندما عمَّ الأمن في العهد السعودي الزاهر؛ إذ يأمن الحجاج على أنفسهم وأمتعتهم، ولا يخافون مهما طال بهم السفر، أو شق عليهم المسير.