حـكـم الأخـذ من الشـَّعـر أو الظـُّـفــُر
في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يُضحِّي


اطلعتُ على هذا البحث بخصوص هذه المسألة وهو بحث طويل ومفصل عن الموضوع أعده
د. سائد بكـداش
الأستاذ المشارك بقسم الدراسات الإسلامية
في كلية التربية -جامعة طيبة بالمدينة المنورة
ويستند الى أكثر من 80 مصدرا ومرجعا وفيه أقوال وشروحات كثيرة ولكنني اختصر لكم منه ما يهم القارئ وبداية يقول الباحث :

اختلف الفقهاء في حكم الأخذمن الشعر أو الظفر في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي على أربعة أقوال:
القــول الأول:
إباحة وجواز الأخذ, ومن فعل ذلك وأخذ من شعره أو ظفره: فلا بأس عليه, ولا يكره ذلك. وبهذا قال الحنفية: أبو حنيفة وصاحباه. وأسوق فيما يلي عبارات أئمة الحنفية في ذلك:
? قـال الإمام الطحاوي([14]) (ت 321 ه): لا بأس بقص الأظافر والشعر في أيـــام الـعـشــر لمن عزم على أن يضحي, ولمن لــم يعزم على ذلك, وهو قول الإمام أبي حنيفة وصاحبيه. وقال الإمام أبو بكر الرازي الجصاص([15]) (ت 370 ه): لا بأس لمن يريد أن يضحي أن يحلق شعره, ويقص أظفاره في عشر ذي الحجة. أما الإمام القدوري (ت 428 ه) فقد قال([16]): إذا دخل العشر وأراد الإنسان أن يضحي, أو عيَّن أضحيته: لم يلزمه أن يجتنب حلق الشعر, وقصَّ الأظافر .اه . وممن صرَّح بهذا الحكم من متأخري الحنفية الإمام ابنُ مَلَك عبد اللطيف بن عبد العزيز
القول الثاني
يستحب عدم الأخذ, ومن فعل ذلك وأخذ من شعره أو ظفره: فلا بأس عليه, ولا يكره, لكنه خلاف الأَوْلى. وبهذا قال فريق من متأخري الحنفية, بل نُسِب لشُرَّاح الحديث من الحنفية. فقد قال الإمام ملا علي القاري([29]) (ت 1014 ه) بعد أن نقل كلام ابن مَلَك السابق, وهو: ورخَّص في الأخذ أبو حنيفة والأصحاب قال: وظاهر كلام شُرَّاح الحديث من الحنفية: أنه يستحب ـ عدم الأخذ ـ عند أبي حنيفة, فمعنى: رخَّص([30]): أن النهي للتنزيه, فخلافه: خلاف الأَوْلى, ولا كراهة فيه, خلافاً للشافعي. اه
القول الثالث
يسن ترك أخذ الشعر والظفر في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي, ويكره تنزيهاً فعل ذلك, وليس بحرام. وعليه, يكون الفرق بين هذا القول وسابقه, أن أصحاب هذا القول يقولون بالكراهة التنزيهية لمن فعله, وأما أصحاب القول الثاني فلا يقولون بالكراهة. وبهذا قال الشافعية([43]) والمالكية([44]). ونقل النووي([45]) عن الإمام مالك ثلاث روايات: الأولى توافق الحنفية: لا يكره, والثانية: يكره, والثالثة: يحرم في التطوع دون الواجب. كما روي هذا القول الثالث عن جماعة من أصحاب الإمام أحمد([46]), كالقاضي أبي يعلى الفراء,

القول الرابع والأخير
يحرم أخذ شيء من الشعر أو الظفر في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي, فيجب عدم الأخذ, وإلا أثم فاعله. وبهذا قال الإمام أحمد([50]), وهو المعتمد في مذهبه, وهو قول بعض أصحاب الشافعي([51]), وقول سعيد بن المسيَّب, وربيعة الرأي بن أبي عبد الرحمن فروخ (ت 136 ه), وقول إسحق بن إبراهيم بن راهُوْيَه (ت 238 ه), وداود الظاهري (ت 276 ه), وهو القول الأخير للإمام الطحاوي

خــلاصـة الأقــــوال

الأقوال في هذه المسألة أربعةٌ على جهة التفصيل, ويمكن إجمالها في قولين, من ناحية أثر مَن أخذ الشعر أو الظفر, فالأقوال الثلاثة الأولى يمكن أن نعتبرها قولاً واحداً, ويكون هو القول الأول, وهو قول الجمهور, وأنه يجوز فعل ذلك بدون إثم, والقول الرابع هو القول الثاني, وأنه يحرم الأخذ, ويأثم فاعل ذلك, وهو قول الحنابلة.

أدلـــة القول الأول

استدل أصحاب القول الأول على إباحة أخذ الشعر والظفر في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي بما يلي: حديث عائشة رضي الله عنها, وقد ورد بروايات, وألفاظ متعددة, أسوقها فيما يلي, ثم أعقبها بوجه الدلالة منها:
1ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت: فتَلْتُ قلائدَ بُدْن النبي r بيديَّ, ثم قلَّدها, وأشعرها([53]), وأهداها, فما حَرُم عليه شيءٌ كان أُحِلَّ له([54]).
2ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله r يُهدي من المدينة, فأفتل قلائدَ هديه, ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنبه المُحْرِم
( وهنا نكتفي بحديثين فقط ) .
ومن أحاديث أم سلمة رضي الله عنها :
1ـ عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي r قال: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي, فلا يمسَّ من شعره, وبَشَره شيئاً)([64]).

2ـ عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r: (إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي: فلا يأخذنَّ شعراً, ولا يقلمنَّ ظفراً).

أدلة القول الثاني والثالث

استدل أصحاب القول الثاني والثالث على استحباب عدم أخذ الشعر أو الظفر بحديث أم سلمة رضي الله عنها, ولم يحملوا النهي فيه على التحريم, بل على خلاف الأَوْلى عند أصحاب القول الثاني, وعلى الكراهة التنزيهية عند أصحاب القول الثالث, والصارف القوي عن التحريم هو حديث عائشة رضي الله عنها, فهو صريح الدلالة على إباحة ما قد حَظَره حديث أم سلمة, وذلك جمعاً بين الحديثين.
ومما ذكروه من صوارف النهي الوارد في حديث أم سلمة من التحريم إلى الكراهة التنزيهية: ما ذكره العلامة الشَّبْرامَلِّسي الشافعي في حاشيته على نهاية المحتاج([77]) فقال: إن الصارف في حديث أم سلمة هو كون الحكمة في طلبه r هو مجرد إرادة المغفرة.
أدلة القول الرابع القائل بتحريم أخذ الشعر والظـفر

احتج القائلون بتحريم أخذ الشعر والظفر في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي بحديث أم سلمة رضي الله عنها المتقدم, وهو العمدة في هذه المسألة عندهم, والنهي فيه ظاهر. وقدَّموه على حديث عائشة رضي الله عنها المبيح للأخذ لعدة وجوه:
1ـ إن حديث عائشة رضي الله عنها عام, وحديث أم سلمة رضي الله عنها خاص, فيجب تقديمه بتنزيل العام على ما لم يتناوله الحديث الخاص.
2ـ وأيضاً فإن عائشة رضي الله عنها تخبر عن فعله r, وأم سلمة رضي الله عنها تخبر عن قوله r, والقول يُقدَّم على الفعل, لاحتمال أن يكون فعله خاصاً به.

تـعـقـيب وبـــيـــان
ويختم الباحث بهذا البيان :

وهكذا بعد هذا العرض الطويل لخلاف الفقهاء في هذه المسألة, وبيان أدلتهم, وبسط وجهات أنظارهم في الجمع بين الأدلة المتعارضة ظاهراً, وما ذُكر حول ذلك من مناقشات وأَخْذٍ وردّ. بعد هذا يقف الناظر الفاحص المدقِّق أمام ذلك كله, فيرى نفسه أمام مسألة فقهية خلافية, قد قويَ الخلاف فيها, وتجاذبت دلالات الأدلة الأقوالَ فيها, وهي كلها دلالات ظنية وليست بقطعية, لكنه يراها نحو القول القائل بالإباحة تميل بوضوح. كما يرى أن أكثر أهل العلم, ومعهم فريق كبير من أئمة الحنابلة ممن لم يقل بالقول المعتمد في مذهبهم بالمنع, قد ذهبوا إلى القول بجواز الأخذ جملة, مع تفصيلٍ لطيف في حق من فَعَلَ وأخذ من شعره وظفره, هل يعتبر مخالفاً للأَوْلى, أو أنه مرتكب لمكروه كراهة تنزيه بدون إثم. وفي مقابل قول هذا الجمع الغفير القائل بعدم التحريم, نجد أن الحنابلة في المعتمد عندهم انفردوا بالقول بالتحريم. وهكذا فإن هذه الدراسة لن تحسم الخلاف في المسألة, وسيبقى الخلاف قائماً إلى ما شاء الله, وفي الوقت نفسه ليس لأحد أن يحرِّج على مَن أخذ بقول المُبيحين, أو قول القائلين بالكراهة, ولا لأحدٍ أن يحرِّج على مَن أخذ بالمنع والتحريم, والكلُّ متفقون على استحباب عدم الأخذ إما نصاً, أو مراعاةً للخلاف, ولا شك أن هذا هو الأحوط. وأما التشديد على الناس في هذه المسألة, والتأكيد على تحريم الأخذ, وجَعْل الناس آثمين فاسقين إن أخذوا من شعورهم أو أظفارهم, ففي ذلك إيقاع لهم في حرج شديد, وبخاصة أن جمهور العلماء يقولون بعدم التحريم, وجواز الأخذ بدون إثم.
وأيضاً فإن هذا التشديد, وعدم التوسعة على الناس, كانت ضحيته أن أدى بالكثير إلى ترك التضحية, وتضييع هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام, وتَرْك هذا الخير الكبير, والفضل العميم, وذلك من أجل أن يأخذوا من شعورهم وأظفارهم في عشر ذي الحجة, حيث إن الناس في آخر عشر ذي الحجة يقدم عليهم عيدٌ عظيمٌ من أعياد المسلمين, وهو عيد الأضحى, وغالب الناس إن لم يكن كلهم رجالاً ونساءً يتأهبون للتزين له قبل مجيئه بأيام ــ أي قبيل زمن التضحية ـــ بأخذ شعورهم وأظافرهم, والاعتناء بها بصورٍ مختلفة.
وهكذا دين الله واسع, ورفع الضيق والحرج عن الناس مطلب عظيم, ومقصد مهم كبير من مقاصد الشريعة الإسلامية, والله الموفق.انتهى


وأنا أختم فلعل في هذه الخلاصة ما يفيد السائلين عن هذه المسألة وما يتردد في المجالس بين مؤيد ومعارض ؛؛ فإن كان الجماع ومعاشرة النساء في هذه الأيام مباحة ولم يتطرق اليها نهي أو مجرد تحوّط فما بالنا بالأخذ من الشعر أو قص الظفر هذا لمن يجعل من هذه الأيام اقتداء أو مشاركة في الأجر للحجاج في نسكهم ودين الله واسع وفيه يسر وتبسيط لكل سائل وورع .