رضوى.. المكان والمهرجان!




عبد الغني بن ناجي القش

الجمعة 24/01/2014

جبل رضوى هو ذلك الطود الشامخ الذي يقع في قرية تُسمّى «رخو» بينبع النخل، ويتميّز هذا الجبل بارتفاعه وجماله وشهرته على مر التاريخ، وقد كتب فيه الشعراء قصائدهم، وتغنّوا بروعة أجوائه وأشجاره وهو من الجبال المعدودة في منطقة المدينة المنورة.
ويقام حاليًّا بمحافظة ينبع، وتحديدًا بمنطقة الأبطح بطريق النجْف، مهرجان سمّاه القائمون عليه بهذا الجبل «مهرجان رضوى البري الأول»، وقد أدهش الحاضرين ذلك الإقبال الهائل على هذا المهرجان، فعدد المركبات فاق التوقعات، واكتظت جنبات المهرجان بالأعداد الكبيرة التي قدمت لزيارته، وقد كان لي شرف الحضور بدعوة كريمة من لجنة السياحة بمحافظة ينبع، وكانت لي بعض المشاهدات، ومنها:
وُفُِق القائمون على المهرجان في اختيار التوقيت، فعلى الرغم من قصر مدة إجازة ما بين الفصلين، إلاَّ أنهم استطاعوا القيام بفعالية جذبت الجميع (كان هناك أوروبيون وأمريكان)، فكان هذا الحشد الحاضر والذي يُعدُّ من أهم مؤشرات النجاح.
يبدو واضحًا أن المهرجان كان بجهود أشخاص معيّنين، ظهرت لديهم الفكرة فقامت لجنة السياحة بتبنّيها، وكان التراث حاضرًا بقوة، وهنا لا أستطيع أن أخفي إعجابي بركن ينبع النخل الذي أجزم يقينًا أنه كان مثار الاندهاش؛ فأنت تأتيه فيعيد لك عبق الماضي، ويظهر الفارق بينه وبين الحاضر، ببساطة شديدة وعدم تكلّف، وبتمسك بما كان عليه الآباء والأجداد.
كان حفل الافتتاح مساء الاثنين الماضي، وقد استقبل المهرجان زائريه قبلها بأيام، (الأربعاء ما قبل الماضي)، وهذا ذكاء يُحسب للقائمين عليه، بحيثُ يأتي الحفل، وقد تم تجاوز النقص، وتلافي الخلل، وسد الثغرات.
فيما يتعلق بالحفل فقد كان بهيجًا من خلال فقراته ونشيده، والأوبريت المصاحب، وكان عدد الواقفين أكثر بكثير من الجالسين، ممّا يُؤكِّد أن عنصر الجذب كان حاضرًا ولا يحتاج إلى دليل.
الموقع المُخصَّص للأسر المنتجة يَسرُّ الناظر ويُبهج الخاطر، فهذه الأسر استطاعت بناء نفسها والاستغناء عن غيرها بمجهودها، ثم بمؤازرة من وزارة الشؤون الاجتماعية ممثّلة في الضمان الاجتماعي الذي يمنحهم دعمًا ماليًّا يصل إلى ثلاثين ألف ريال، والمبهج أكثر هو ذلك الإقبال من الجمهور على الشراء.
ولأن المرء بطبعه تجذبه الغرائب، فقد كان موقع الصقّارين والجمرك وكلاب الصيد مواطن جذب للزائرين، ليرمقوا بأبصارهم الصقور بأنواعها، وكيفية اصطيادها، وكذا الحال بالنسبة لتدريب الكلاب، أمّا الجمرك فقد أذهل الحاضرين بأساليب كشفه للتهريب، وكانت الألسن تلهج بالدعاء لمنسوبيه الشرفاء، وهنا أعود للمطالبة التي سبقت في مقالات عديدة بمنح منسوبي الجمارك مكافآت مجزية، وقبل ذلك رواتب عالية تتناسب وجهودهم الجبارة في كشف المهرّبين.
أتمنى أن يكون المهرجان الثاني على مساحة أوسع، وبمشاركة أكبر، فالبداية المشجعة تحفّز القائمين عليه على توسيع دائرة المشاركة، وإقامته على مساحة يُرجَى أن تكون أضعاف المساحة الحالية.
وكم كنت أرجو أن يكون هناك حضور فاعل للشركات الكبرى في الهيئة الملكية في دعم المهرجان، وتلك هي المسؤولية الاجتماعية التي ينشدها الجميع، فوجود هذه الشركات على أرض ينبع يُحتِّم عليها القيام بواجبها تجاه مجتمعها.
ولايزال العتب قائمًا على وسائل إعلامنا، فقد غاب الكثير عن تغطيته، ويبدو جليًّا النظرة القاصرة، وتغليب الجانب المادي، وكانت جريدتنا الغراء «المدينة» حاضرة بقوة كراعٍ إعلاميٍّ مميَّزٍ ومتميِّزٍ، ويُرجى أن تحذو بقية الصحف حذوها.
إن رسالة هذا المهرجان تتمثّل في أمور، الأول: أن قصر المدة ليست عذرًا لعدم إقامة فعاليات تجذب المواطنين والمقيمين، بل على العكس هي أدعى للنجاح، ولاستقطاب الأعداد الكبيرة، تمامًا كما وقع في مهرجان رضوى، وقد أثبتت التجارب أن طول المدة مفضية للفشل، والثاني التأكيد على أن التراث والأصالة هما عنصرا جذب هائلة، وكل منطقة -بحسب تراثها- يفترض أن تُعيد للذاكرة ما كان عليه الآباء والأجداد، أمّا الأهم فهو أن ضعف الإمكانات لا يُشكِّل عائقًا، مع التشديد على تفعيل دور الشركات والبنوك ومشاركتها في دعم المهرجانات، بل وتبنّيها من باب المسؤولية الاجتماعية.
وكأن المهرجان الذي يختتم فعالياته غدًا يبث رسالة لجميع المحافظات والمناطق، أن يُفكِّروا في شبابنا وفتياتنا -الذين يقضون إجازة ما بين الفصلين- بتقديم النافع والمفيد لهم؛ ليقضوا أوقاتًا ماتعة ما بين أروقة الماضي الجميل؛ ليشكروا الجليل، فهل وصلت الرسالة؟!
aalqash1@hotmail.com