يعلم الكثير كيف جاهدت الدولة على تعليم البنات وافتتاح المدارس حيث كان للملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله الفضل بعد الله وتعليم الفتاة السعودية بتشجيع المواطنين على تعليم بناتهم وتم افتتاح المدارس والمعاهد في المدن الكبيرة بالمملكة . واذكر اول مدرسة للبنات بمحافظة ينبع وهي المدرسة الأولى ولا أتذكر سنة افتتاحها . بصراحة كانت إعداد البنات المسجلات قليل جدا وهذا في التسعينات الهجرية ولا تجد في المدرسة خلاف بنات البلد (ينبع البحر) ومن اسر معروفة فقط .
اذا كان جل الناس في ذلك الزمان لا يرحبون بفكرة تعليم بناتهم وكان هذا حال المدن فكيف بحال القرى . وما اذكره جيدا ان الوالد ( الشريف احمد بن جابر العياشي رحمه الله ) بحكم مسئوليته كأحد مشايخ ينبع النخل كان يجتمع مع الأهالي ويناقشهم بضرورة تعليم بناتهم وقام بالرفع للجهات المختصة بطلب افتتاح مدرسة ابتدائية في ينبع النخل وكان من ضمن المطلوب عمل بيان بأسماء الطالبات الراغب أولياء أمورهن إلحاقهن بالمدرسة وتوقيع ولي الامر بالموافقة على هذا البيان . وكثرت الاجتماعات وكثر التردد والانسحاب من الآباء عند مطالبتهم بالتوقيع وكان رحمه الله يجاهد في إقناعهم ومن الملاحظات التي لا أنساها انه قام رحمه الله بتسجيل ثلاث من أخواتي سنهن تجاوز العشر سنوات . وفعلا تم افتتاح المدرسة الأولى للبنات في السويق في ينبع النخل عام 1391هـ في مبنى شمال سوق السويق حي الجار ( ومازال هذا المبنى موجود وهو من الطين ) واذكر الأيام الأولى للمدرسة حيث تم حضور معلمة واحدة مصرية الجنسية من قبل الرئاسة بمنطقة المدينة المنورة . وهي المعلمة والمديرة . ثم زودت المدرسة بمعلمة ثانية مصرية الجنسية أيضا . وقام الوالد رحمه الله بسحب بناته بعد انتظام الدراسة نظرا لكبر سنهن وفي السنة الثانية تم تسجيل اثنتان من بناته لبلوغهن سن التسجيل ستة سنوات . واذكر ان مديرة المدرسة حضرت لأكثر من مرة مجلس الوالد وهو المجلس الذي يجتمع فيه اهل القرية وغيرهم كل يوم جمعة واثنين في الأسبوع وهذا لم يكن مألوفا بين الناس في القرية ولكن حب التعليم والتشجيع عليه دفع الوالد ان يكرم هذه المعلمة وحضورها مجلس الرجال . وأول معلمة سعودية تم تعيينها بالسويق كانت من ينبع البحر وطبعا سكنت ينبع النخل وكان يرافقها والدها . (طبعا في ذلك الزمان كان الطريق من ينبع النخل الى ينبع البحر طريق ترابي غير مسفلت وكانت سيارة واحدة تعمل كاوسيلة نقل جماعية بين البلدين ) وكان وجود معلمة سعودية أمر ليس باليسير حيث يتطلب وجود محرم لها وكان يصرف له مقابل مادي (راتب مرافق) من الرئاسة وكان أهل القرية يتهامسون حيال هذه المعلمة كيف تترك بيتها وأهلها وتتغرب من اجل التدريس وكذلك والدها كيف لهذا الرجل ان يترك زوجته و أبنائه ويرافق ابنته من اجل المال . ووووو .. ولكن بعزيمة الرجال وإصرارهم على تعليم المرأة السعودية توالى افتتاح المدارس والمعاهد والجامعات وحققت الفتاة السعودية أعلى مراتب العلم والتعليم في عصرنا الحاضر .ووجدت انه من باب رد الجميل ان اكتب بهذا الموضوع ولو إنني ابتعد عن الكتابة عن والدي وسيرته خوفا من تأخذني العاطفة واذكر شيئا لم يكن له وكذلك لكي لا يظن البعض إنني ابحث عن شهرة او سمعة وللحق ان ما اكتبه عن بعض أعماله رحمه الله موثق بموجب ما اجد من مستندات رسمية في أرشيفه الخاص الذي يشرفني الاحتفاظ به اسأل الله له الرحمة والمغفرة وان يجزل له الأجر والمثوبة لقاء ما قام به خدمة لاهله ووطنه .

بقلم : الشريف عبدالاله بن احمد بن جابر العياشي
15 ربيع الاول 1434هـ