ينبع:«المنطقة التاريخية» بلا ترميم ومبانيها آيلة للسقوط
- «الحياة» عبد الله زويد
الجمعة ٣١ أغسطس ٢٠١٢



يحتفظ أهالي محافظة ينبع التابعة لمنطقة المدينة المنورة بتفاصيل اللقاء الذي جمع أمير منطقة المدينة المنورة ورئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع الأمير سعود بن عبدالله بن ثنيان ورئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان ورئيس الموانئ السعودية وعدد من مسؤولي الشركات الصناعية الكبرى في العام الماضي، والذي لم يستثمر بالشكل المطلوب بعد تحفيزاتهم الحثيثة للمسؤولين في المحافظة للتعاون مع الشركات الكبرى بهدف دعم مشروع تطوير المنطقة التاريخية التي يهدد مبانيها شبح الانهيارات علاوة على معاناتها من الإهمال، المنطقة التاريخية التي لا تخطر بال أحدهم سوى في تلك المناسبات الرسمية لذر الرماد في العيون وإقناع المهتمين بالتراث والآثار بأن هناك لجنة سياحية في المحافظة تقوم بدورها وتهتم بتاريخ وآثار المحافظة.
ولا يزال الجزء الأثري الأهم الموجود داخل محافظة ينبع والمعروف باسم «المنطقة التاريخية» ينتظر تنفيذ وعود التطوير التي تحدث عنها المسؤولون منذ أعوام، إذ نفذ قبل قدومهم داخل «سوق الليل» ترميمات بمجهودات المهتمين بالآثار والتي أثبتت بأن ما يحافظ على الأثر التاريخي وشواهده هو العمل لا تلك التنظيرات والأمنيات التي يروج لها بعض المسؤولين من دون حقائق على الأرض.

رئيس «لجنة الأصدقاء»: «المواقع التراثية» باتت مرمى لـ«النفايات» وتشكو الإهمال



أوضح رئيس لجنة أصدقاء التراث بمحافظة ينبع عـواد بن محمود الصبحي بأن لجنة أصدقاء التراث بمحافظة ينبع تأسست منذ 10 سنوات، ومن خلال الأهداف التي وضعناها والأعمال التي نفذناها لرعاية الآثار والمحافظة عليها نشعر بأن مهمتنا وطنية بالدرجة الأولى على رغم أننا متطوعون لهذا العمل، ولكننا بالتأكيد نسد جزءاً من الفراغ الحاصل في هذا المجال فلا توجد أية جهة مسؤولة مباشرة عن التراث بصفة خاصة لها وجود في المحافظة باستثناء اللجان السياحية المعروفة التي تجتمع في السنة مرة أو مرتين وأضاف الصبحي لـ«الحياة»: «أعضاء هذه اللجان تشغلهم أعمالهم الرسمية كثيراً عن تحقيق ما يريده المجتمع منهم وما يفرضه الواقع المؤلم لتراث ينبع بعد أن أصبحت منازل المنطقة التاريخية خرابات ومأوى» للكلاب والقطط والحيوانات السائبة ومرمى للنفايات، ثم بعد ذلك تتحول إلى أماكن خطرة تشكل لها لجان ليس لترميمها والحفاظ عليها والعناية بها؛ وإنما لإزالتها من الوجود كي تصبح أثراً بعد عين، والغريب أن الزائرين الأجانب عندما يشاهدون هذه الأماكن يحتفون بها ويصورونها، بينما هي عندنا تتحول إلى مناطق مخيفة وفي كل يوم تتهدم بعضها وتتساقط جدرانها وهي منسية تماماً من النظافة والإنارة والمتابعة وكأنها ليست ضمن خريطة البلد».
وأوضح أن الجهود الذاتية التي تقوم بها الجمعية أسهمت نوعاً ما في الحفاظ على شيء من هذا التراث «لقد قمنا بجهود ذاتية بالتعاون مع هيئة السياحة والآثار ومع فرع السياحة بالمدينة المنورة ومع جهات أخرى وسعينا لترميم جزء من سوق الليل الشعبي الذي افتتحه موقتاً رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان بصحبة أمير منطقة المدينة المنورة الأمير عبد العزيز بن ماجد ورئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع الأمير سعود بن ثنيان في احتفالية رائعة أسعدت أهل ينبع، كما تقوم الآن هيئة السياحة بترميم منزلين هما منزل البابطين ومنزل جبرتي».
وأكد أن اللجنة تقوم بعمل دائم لاستقبال السياح والزائرين والقناصل وطلاب المدارس وكذلك الجهات الإعلامية «نحن نصحب جميع زوار المنطقة في جولات ميدانية للتعريف بالمعالم والمواقع التراثية لمحافظة ينبع، غير أن كل زائر يشعر بالأسى لأوضاع هذه الأماكن؛ لأن وضع المنطقة التاريخية فيما يـُعرف بينبع القديمة ذات الطراز المعماري المميز أصبح مشكلة مزمـنة مرت عليها عشرات السنين وفي كل سنة يـُهدم منها جزء وتتساقط أجزاء أخرى إذ أصبحت المنازل مهجورة تـشب فيها الحرائق وتتداعى الجدران وتـنمحي حقبة من تاريخ أجدادنا لم نستطع أن نحافظ حتى على هذه الرموز التراثية لنذكرهم بالخير ونترحم عليهم».






«البيروقراطية» تعرقل مشاريع الإصلاح

كما ثمن رئيس لجنة أصدقاء التراث في محافظة ينبع عواد الصبحي اهتمام الرئيس العام لهيئة السياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان وحضوره شخصياً لزيارة ينبع وما هيأه من اجتماعات وتوقيع اتفاقات مع جهات معينة بحضور أمير المنطقة، «كان الاجتماع الأخير مع الشركات الكبرى العاملة في ينبع قبل سنة تقريباً لحثهم على دعم مشروع تأهيل الحي التاريخي وتطوير الواجهة البحرية وهو مشروع حيوي حضاري جهزته الهيئة ووضعت له استراتيجية زمنية ولكن مضت فتـرة كافية جـداً لكي يرى هذا المشروع النور وكل ما يحتاجه هو تحريك وتفاعل ومتابعة جادة لتقوم الشركات الداعمة بواجبها الاجتماعي الواجب عليها كي نرى هذه الأطلال معلماً سياحياً ومكاناً وارفاً وتحفة معمارية».
وأشار في حديثة إلى أن الكثير من هذه المشاريع السياحية يغلب عليها طابع البيروقراطية والتي تسبب دوران الجهود في حلقات مفرغة «فالاستثمار في هذه الأماكن بوضعها الحالي غير مشجع للمستثمرين ومشكلات الورثة وعدم توافقهم أصبح معضلة فتجد المنزل الواحد فيه عشرات الوارثين وعملية تأسيس جمعيات تعاونية للورثة كما هي المطالب هي مسألة غير واقعية وتتطلب التغلب على تعقيدات كثيرة لدى جهات أخرى لا علاقة لها بمثل هذه المشاريع بل وربما ترى أنها ليست من اختصاصها، فلابد أن تسعى هيئة السياحة بعزيمة قوية لاستصدار أوامر عليا بنزع الملكيات لمشاريع التراث العمراني فهل نزع الملكيات مقصور على توسعة الشوارع والساحات أليست مشاريع التراث من أولويات مشاريع المصلحة العامة فكيف تكون مستثناة من هذا»، مؤكداً في نهاية حديثة عدم امتلاك «لجنة أصدقاء التراث» مقراً لها أولأعضائها أو حتى مجرد بطاقات تعريف، كي يشعروا أنهم ينتمون للسياحة والآثار وقال: «عندما نراجع أية جهة للتعقيب أو متابعة ما يخص التراث يأتي السؤال الأول أنتم لأية جهة تتبعون؟ فنقول تجاوزاً ومن باب الثقة نحن نتبع الهيئة العامة للسياحة والآثار ولكننا في قرارة أنفسنا نشعر بأن شيئاً ما ينقصنا وهو إضفاء الصفة التي تعـزز من مكانتنا في المجتمع وتعطينا حرية الحركة».


«المؤرخ الخطيب »: «سوق الليل» أنشئ في عصر «المملوكية»


كشف المؤرخ السعودي عبدالكريم الخطيب أنه بصدد إعداد كتاب جديد (تحت الطبع حالياً) يتحدث فيه عن «سوق الليل» بمحافظة ينبع إذ يعد هذا السوق حجر الزاوية للمنطقة التاريخية بينبع. وأشار الخطيب إلى أن رئيس هيئة السياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان أوصاه خلال أحد الاحتفالات بمنزل عائلة الخطيب الذي تسلمته هيئة السياحة لإعادة ترميمه، كما طلب منه الأمير إثراء المنزل بالقطع التراثية التي تحاكي واقع ينبع قديماً.
ويقول الخطيب في معلومات خص بها «الحياة» وستنشر في كتابه الجديد «كثير من أمثالي من أبناء ينبع الذين ولدوا ونشأوا فيها تبقى لهم ذكريات، ففي كل موضع في شوارعها وأسواقها وأحيائها وشواطئها لنا تجربة وقصة وذكرى ولعل «سوق الليل» من أعرق وأشهر الأسواق في مدينة ينبع، ومن منا من كان لا يرتاد سوق الليل ليتسوق منها، ويسترسل الخطيب في حديثه إلى «الحياة» بقوله «يقع السوق في حيز ينبع حينما كانت مدينة صغيرة وشيد عليها أول سور عام 915 هجري بأمر آخر حكام الدولة المملوكية «قانصوه الغوري»، وكان من أبواب هذا السور باب اسمه باب الحديد بجوار عمارة «آل الحادي» بالقرب من هذا السوق، وقد ذكره شاعرنا الينبعي في القرن الثاني عشر حسن عبدالرحيم القفطي الأنصاري في شعره، إذ قال من قصيدة طويلة ( أهوى وقوفي لدى باب الحديد ... لكي أرى مصابيح سوق الليل كالشهب) فهذه بعض الصور التي ما زالت عالقة في ذهني عن هذا المعلم التاريخي، فسوق الليل الذي أسعدني ترميمه ليعود إلى الحياة كذكرى من ذكريات الماضي، لا فتاً إلى أن سوق الليل يرد إليه كل حوائج الناس ومآربها حيث يباع فيه العسل والسمن «النشيش» - كما يطلق عليه أهل ينبع قديماً- وكذلك السمك بأنواعه كالحريد وأبو قرن المجفف والبصر وأيضاً التمور بأنواعها ويضيف «كل شيء تجده في سوق الليل فهناك أيضاً قلائد الحبك التي تصنع في وادي الصفراء وتسوق في ينبع وأيضا الملوخية والويكة والكزبرة المجففة وحجر المسان والنبق المجفف الذي يرد من جيزان وكذلك السمسم وزيت السمسم والجبن الحلوب وأيضاً تجد الموانئ كالكاسات الفخارية كل هذه البضاعة تجدها في سوق الليل، كذلك أدوات النجارة كالمسامير والسكاكين والمــساهــــي والــمحــــشــات والمناجل الزراعية وبروسيات السفن التي يصنعها الحداد في ينبع تجدها في سوق الليل، كذلك الحبال المفتولة والقفف والمكانس التي تصنع في ينبع النخل، وكذلك القرب الجلدية التي تعبأ فيها المياه تجدها في سوق الليل، فإذا «دلفت» إلى سوق الليل تجد كل صاحب دكان وأمامه مجلاد التمر مفتوحاً وبجواره المقطاع الحديد الذي يقطع به التمر للزبائن وبجواره الميزان «النقالي» الذي يزن به السمن وتجد بجواره قطع الوزن الصفراء الأوقية ونصف الأوقية وربع الأوقية وغيرها من معايير الأوزان».

عضو المجلس البلدي / مسعود الجباري يطالب بفتح المنطقة لـ«الحرفيين»

طالب عضو المجلس البلدي في ينبع مسعود الجباري بضرورة إحياء المنطقة وفتحها للحرفيين لربط المنطقة بمجتمعها الذي يتميز بتقبله للزائرين الذين يتزايدون من عام لآخر وكذلك لضرورة التفاعل مع الحركة السياحية، كما طالب أيضاً بضرورة تبني إقامة مركز حضاري مصغر يتوسط المنطقة التاريخية ويتم دعمه بأفلام وثائقية مصغرة تحكي تاريخ المنطقة، إضافة إلى ضرورة وجود موظفين من أبناء المنطقة لتقديم الإرشاد السياحي للزوار بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والآثار. وأثنى الجباري على ما يقوم به «أصدقاء التراث» وجهدهم الذي يقومون به النابع من حسهم الوطني «يجب أن يوفر لهؤلاء الدعم اللازم من قبل الشركات الصناعية الكبرى التي لا يزال دورها غير مكتمل بالنسبة لدعم المسؤولية الاجتماعية ويجب تحريك دورها من خلال حث المسؤولين بالمحافظة والمنطقة بشكل عام لتقديم الدعم وتوفير الحاجات لتغيير واقع المنطقة التاريخية التي يعيش الجزء الأكبر منها في عشوائية وإهمال رغم موقعها الجغرافي الرائع كونها تطل على البحر مباشرة وأمام ميناء ينبع التجاري».

الأستاذ / سعد الرفاعي : يطالب بتحرير المنازل المملوكة في المنطقة التاريخية من ملاكها

من جانبه، طالب الكاتب الصحافي والشاعر سعد الرفاعي بتحرير المنازل المملوكة في المنطقة التاريخية بمحافظة ينبع من ملاكها وذلك بعد اتخاذ الإجراءات المعمول بها في هذا الشأن، مشدداً على أهمية تبني الجهات الرسمية للمناطق التاريخية لهذا الأجراء وذلك لامتلاكها القرار النافذ والذي تستطيع تمريره للجهات العليا، مشيراً إلى أن الجهود التي يقوم بها الناشطون أو المحبون للتراث -يشكرون عليه- هي جهود بطيئة ولا تحقق النتائج المرجوة منها في ظل أهمية التراث كرافد اجتماعي واقتصادي. كما حث الرفاعي أصحاب المنازل التبرع بمنازلهم التاريخية لهيئة السياحة والآثار وذلك لامتلاكها القدرة والأدوات المناسبة لإعادتها للحياة من جديد مع ضمان الحقوق الأدبية لأصحاب المنازل. ويرى الرفاعي بأن تفعيل اللجان التراثية وربطها بالمنطقة التاريخية ضرورة لاستقطاب جميع المهتمين بالتراث والحرف القديمة التي شارفت على الإندثار، وقد تصبح مصدر رزق للبعض إن تم الاستفادة من المنطقة التاريخية وتخصيص مواقع غير ربحية أو بهامش ربحي معقول لأهل التراث ومحبيه، مشيراً إلى أهمية وضع «جداريات» توضح تاريخ المنطقة والأسماء التاريخية للمنطقة.
وأضاف الرفاعي «إن من يزور المنطقة التراثية المجددة سيستعيد قصة سوق الليل ومذكرات الرحالة عنه وعن ينبع «شارل ديديه» و«ريتشارد بيرتون» و«ليون روش» وغيرهم من رحالة عرب وغربيين كانوا يدونون في مذكراتهم انطــباعاتهم ومشاهداتهم عن السوق وعن معالم المحافظة كما أني لا أملك إلا أن أقف احتراماً لكل غيور نافح وجاهد وعمل للإمساك بما تبقى كي لا يضيع كما سبقه تحت تأثير عوامل الإهمال والتعرية والجهل بقيمة المكان الحضارية وأهميته المعرفية».

رجل الأعمال //خالد الحصيني :«المباني» داعم ثقافي في تربية الأبناء

أكد خالد الحصيني وهو رجل أعمال ومالك لأحد المنازل التاريخية في ينبع، انعكاس أثر التراث في تربية الاجيال القادمة وذلك لارتباطهم بالسابق ولمعرفتهم الأصول التي تمثل تاريخ أجدادهم وتتمثل لهم في تاريخهم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، إضافة إلى كون فن البناء والمعمار الذي خصص له الأدباء والمثقفون مؤلفات عدة لحفظه عكس ما هو قائم لدينا الآن والذي ليس بحاجة إلا للصيانة والترميم ليبقى شاهداً على حقبة زمــنية بني خلالها الوطن.
ويضيف الحصيني «إذا أردنا أن نتحدث عن بناء ترك شاهداً على حقبة تاريخية معينة وكان أنموذجاً في تشكيله الهندسي من حيث التصميم والتعامل مع عناصر الطبيعة واستناد المنازل بعضها على بعض، كأنها تشير لنا بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» لذا أهيب بكل أسرة تمتلك في المنطقة بيتاً أن تحرص على ترميمه وتأهيله ليبقى شاهداً لهم ولنا وللأجيال القادمة».
ويؤكد على أنه وأسرته بصدد دراسة ترميم أحد منازلهم في ينبع النخل بقرية «شعه» لذا يحرص من فترة لأخرى إلى زيارة المنطقة التاريخية للاستفادة من عمليات الترميم القائمة في بعض المنازل مثل بيت بابطين وبيت الخطيب، ويهدف كما يقول من ترميم المنزل الأثري القديم للحفاظ على تاريخ أسرته إضافة إلى ترك الفرصة للجميع للاطلاع على التاريخ بعد تحويل المنزل لمتحف يضم المقتنيات القديمة بإشراف الهيئة العامة للسياحة، وهو بانتظار التصاميم النهائية من إحدى الشركات المتخصصة في التعامل مع المعمار التاريخي.