اليوم هو غرة عام 1427 لهجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة. لقد مضى عام 1426هـ بما حوى من خير وشر, وما وقع فيه من أحداث سارة ومحزنة, فصار لنا اليوم مجرد تاريخ يُروى وذكرى تطوف بالأذهان وتتوارد معها الصور لما مضى متعاقبة تتداعى واحدة إثر الأخرى.
إن خير الأعوام ما أضاف إلى حياة الإنسان حيوية, فبات يشعر أنه خلاله أكثر حياة مما سبقه. ولا تزداد الحياة حيوية إلا متى ازدادت اهتمامات الإنسان, وصار يتطلع إلى كل نشاط, لا يحده شيء ولا يصده عائق, فإن انصرم العام وما كسب فيه المرء شيئاً فلا ينبغي أن يبتهج بانصرامه ولا أن يسجل في تاريخ حياته ولا أن يحتسب عليه في عمره.
من طبيعة العام أنه لا يغادرنا إلا بعد أن يكون ترك في صدر كل منّا أثراً خاصاً به لا يُماثله ما يوجد في صدور الآخرين. فبيننا من أذاقه العام المنصرم مرارة الفاجعة في فقد أحباء إليه, فانحرقت كبده لما انطوت وجوههم مع طيات العام, وبيننا من أذاقه العام حلاوة الفوز في تحقيق حلم طالما انتظر اشراقته وتوجد إلى معانقته, وبيننا من انصرم عنه العام مخلفاً له الإحساس ببؤس الخيبة وتعاسة الفشل, وبيننا من انصرم عنه العام وقد خدره بما حمله إليه من نشوة النصر وبهجة الغنم.
بعض الناس اعتادوا أن يتفاءلوا أو يتشاءموا بالأعوام تحل بهم, وهناك معتقدات كثيرة باطلة يعتنقها كثير من البسطاء والسذج يرجون من ورائها جلب عام سعيد ودفع آخر شقي, كاعتقاد البعض أن شرب الحليب ليلة رأس السنة الجديدة أو في صباح أول يوم من أيامها يكون له أثره على العام فيكون أبيض على من افتتح عامه بملء معدته ببياض الحليب.
والناس يغلب عليهم الميل إلى إلقاء اللوم فيما يصيبهم من شرور على الأيام والأعوام, فينسبون إليها ما يحل بهم من بأس وتعاسة فيقولون كان عاماً أسود ويوماً نحساً, فيوثقون الرباط بين ما يقع لهم من شر واليوم أو العام الذي حدث فيه. والحق أن يد العام بريئة من كثير مما يصيب الناس خلاله من خير أو شر, فأيدي الناس هي التي تتسبب فيما يقع لهم من فشل أو تعاسة, وهي أيضاً التي تتسبب فيما يصيبهم من نجاح ومكاسب, فالفشل أو النجاح لا يجلبهما العام وإنما هما يتولدان من خلال عمل الإنسان نفسه, إلا أن البعض يعمد إلى ربط ذلك بالعام فيبتئس قلبه بالتشاؤم ويقع في قيود الخوف والقلق والتوجس والترقب, فتشغله تلك المشاعر عن رؤية العامل الحقيقي فيما حدث له من خير أو شر.
المفضلات