علي سعد الموسى


ربما، بل قطعاً، مر هذا الصباح كئيباً ثقيل الخطى على آلاف العوائل تحت كابوس العودة للمدرسة. أدنى الأسباب وأبسطها هو التوقيت فمن ذا الذي اخترع لنا حكاية طابور يبدأ في السادسة والنصف فيما كل العالم يبدأ يومه عند التاسعة؟ من هو الذي سن لنا سنة السباق مع شروق الشمس والعودة في الظهيرة فيما كل مدارس الكون المتحضرة تبدأ وتنتهي ما بين التاسعة والثالثة؟
أعظم الأسباب وأعقدها يكمن في السؤال: لماذا لا يحب أطفالنا مدارسهم؟ والجواب لأنها اليوم ما زالت تدار بديكتاتورية الكتاتيب وأشفق على ابني الصغير، في الثانية الابتدائية، الذي لم يترك ساعة من اللهو طوال الصيف ليعود فجأة إلى انتظار حصة رياضة يتيمة وحيدة جدولت في قيلولة يوم الثلاثاء لأربعين دقيقة ما بين الحادية عشرة وما بعدها. كيف اتسع الجدول للتعبير والإملاء والخط وسائر مواد الحفظ أضعافاً مضاعفة ولم يتسع للحصة الوحيدة التي ينتظرها بكل الشوق طوال أسبوع وقد تضيع، وقد ضاعت مراراً، لأن الحصة في ذاك اليوم استبدلت بنشاط مدرسي أو محاضرة عامة لضيف ثقيل زائر. يكره أطفالنا مدارسهم لأنهم يعلمون أنها مجرد جهاز تسجيل ضخم: كل يوم تتكرر فيه ذات الأشرطة وكل عام تتضاعف فيه أوراق المناهج وكل أسبوع تزداد فيه كمية الحفظ البليد: يخرج من حصة كتابة إلى حصة قراءة دون أن يعلم لماذا يكتب أو يقرأ. لماذا فرضنا عليه أن يحفظ كل وقائع التاريخ من بداية العصر المدون حتى اليوم وكل جغرافية الشركاء في الدم والعقيدة بالأنهار والحدود والتضاريس وأن يغيب عن ظهر قلب كل تلك المواد التي لا يحفظها حتى المؤلف ناهيك عن المتخصص؟
يكره أطفالنا مدارسهم لأن كل الدنيا الواسعة تضيق عليه فمساحة ابني في فراغ الكون هي زحام الفصل الشديد الذي بالكاد يعطيه نصف متر مربع حكم عليه أن يقضي به ست ساعات متصلة. يكرهونها لأن الفناء المتاح لا يسمح إلا بمتر مربع لمواصلة الركض ويكرهونها لأن لديهم آلاف الأسئلة حولها وكل إجابة لها تبدو كئيبة ثقيلة الخطى ويكرهونها لأنها جسر رديء نحو مستقبل مزعوم وهم يعلمون أن كفاءة هذا الجسر لن تتحمل وقع الخطى إلى ذلك المستقبل!