د. تنيضب الفايدي
استهلال:
ولولا المزعجات من الليالي
لما ترك القطا طيب المنام
إذا قالت حذام فصدقوها
فإن القول ما قالت حذام
أما المزعجات فهي ما يتعرض له الوطن الغالي من فترة إلى أخرى لجرائم القتل، وترويع الآمنين، وبث الرعب والخوف في القلوب، مع أن ذلك من أفظع الأعمال جرماً، وأكبرها إثماً، علماً بأن إزهاق الأنفس التي حرم الله تعالى من أحرم الحرام، ومن أقطع الأعمال جرماً، وأكبرها إثماً. وقد بين الله سبحانه وتعالى الجزاء المترتب على ذلك وما ينتظر من يفعل ذلك من الجزاء العادل، والعقوبات الشديدة، والوعيد الرهيب، والعقاب الغليظ، لمن تجرأ على هبة الله لبني الإنسان، لأن الحياة هبة الله للبشر، وانتزاع هذه الهبة جريمة، بل ومن أكبر الجرائم.
ومما يزيد النفس أسى أن هذه المزعجات تصدر من فئة من أبناء الوطن، ومع أنهم فئة شاذة محدودة العدد، إلا أن ما تقوم به من جرم يعد عملاً ضالاً كبيراً لما يحدثه من آثار سلبية على الوطن. ومن المزعجات أن للشباب (بنين وبنات) آمالاً وطموحات وتطلعات للمستقبل، وله من العزيمة والاصرار ما يحقق هذه الآمال وتلك الطموحات، ولكن يصطدم بما يثبط العزائم، ويحد من تحقيق الآمال، ويجابه من العقبات ما يعيقه عن إدراك، ما يسعى إليه، والعقبة الكبرى هي البطالة، حيث أن بقاء الشباب عاطلين دون عمل، معتمدين على غيرهم يجعلهم يعيشون الفراغ القاتل الذي يعد وعاء كل مشكلة، ولأن طبيعة الشباب القوة والحيوية والنشاط والانفتاح، فإذا لم يجد ما يتناسب مع هذه الطموحات فإن النتيجة الطبيعية هي: الإحباط، حيث يكمن الخطر، حيث تصرف أفكار وجهود الشباب المحبط إلى تصرفات تحقق له من وجهة نظره التنفيس عن تلك الضغوط أو عن تلك الاحباطات.
إن أغلب الشباب السعودي يعلم تماماً نظرة الجميع إلى تلك الأعمال البسيطة، وهو جزء من المجتمع فلا يقبل بها.. وإليكم هذه القصة الواقعية..
دأب كاتب المقال وخلال ست سنوات على الإشراف على اختبار الكفايات لخريجي الجامعات، وهو اختبار مقنن مع إجراء مقابلة لكل خريج، ويتم اختيار نسبة من الذين اجتازوا الكفايات والمقابلة في التربية والتعليم، وتبقى نسبة قد تفوق النصف أحياناً، ويراجع أكثر الشباب الذين لم يتم اختيارهم مرة أخرى لأنه سيعيد المقابلة فقط إذا كان اختبار الكفايات خلال السنتين الأخيرتين. ودخل شاب، سبق وأن أدى الاختبار مع وجود بعض المشرفين التربويين، وأفاد بأنه اجتاز الاختبار والمقابلة ولم يتم ترشيحه (للوظيفة) رغم مضي ثلاث سنوات، لأن الأعداد اللاحقة تسبقه دائماً في المجتمع، علماً أنه المسؤول عن والدته وإخوانه، وكانت فرحة والدته بشهادته لا توصف، وحاول خلال السنوات الماضية الحصول على عمل مناسب، ولم يتيسر له وحاوره بعض الإخوة حول أنواع العمل في الشركات أو في السوق، فأجاب بأنه عمل فترة هنا وفترة هناك، مع قلة الراتب ولا يستطيع مغادر المدينة من أجل والدته ولا يستطيع تقديم أي شيء يكافئ كفاحها معه حتى تخرج.. وهنا.. بكى الشاب أمام الجميع.
وقضية بطالة الشباب ولاسيما خريجي الجامعات.. قضية تؤرق الجميع سواء أسرهم أو المجتمع أو الجهات المسؤولة، وكلما ظهرت قضية أو مشكلة وجهت الوزارة أو الجهة المسؤولة بتشكيل لجان لدراسة المشكلة لمعرفة الخطوات الاجرائية لحل المشكلة أو المعضلة، وهذه ظاهرة صحية إذا ما تحققت في الميدان بعض الأهداف التي أجريت الدراسة من أجلها، ولكن يلاحظ ما يلي:
أولاً: تزداد أعداد الشباب والشابات من خريجي الجامعات الذين لا يجدون العمل المناسب من حيث التخصص ومن حيث الراتب فيدخل هؤلاء في قائمة العاطلين عن العمل، كما لم يظهر دور بارز للوزارات المسؤولة ولا سيما وزارة العمل، ووزارة الخدمة المدنية، وتكرر عبارات بأن الأمل معقود على هلاء الشباب ولكن أين الإجراء الفعلي لتحقيق أمل هؤلاء، حيث أن وضع بعضهم يثبط الأجيال اللاحقة، لذا لابد من إصدار نظام إعانة البطالة لكل شاب وشابة وفق ضوابط وشروط.
ثانياً: تهميش هؤلاء الشباب ولا سيما من تسرب من التعليم العام، وإهمال أسرهم لهم يؤدى إلى انحراف بعض الفئات ولا سيما إذا وجدت من يثيرها، ويغير أفكارها وينتزع منها الخوف والتردد، ويجدون الدعم المالي، ويبدأ العمل في الخفاء، حيث سيصبح ذلك المضلل تابعاً ومسايراً لاتجاهات أعداء الوطن، واضعاً نفسه تحت رحمتهم، منفذاً لتوجيهاتهم. ومهما أوتي رجال الأمن من قوة وأساليب فإنهم لا يستطيعون وحدهم السيطرة على الوضع.
ثالثاً: إن البطالة والفراغ بشتى صورهما لما يولدان من انحرافات ومشاكل لا تنتهي، تتضرر منها الأسرة والمجتمع والوطن، ومعلوم أن للشباب وهجاً يطفئه ضيق ذات اليد، ولذا تكرر المطالبة دائماً باسم كل شاب وشابة بأن يكون لهم من وطنهم عطاء، وأن يكون لهم احتواء، وأن ينعموا من خيراته، قبل أن تضل فئة منهم.. لأن الفراغ مقترناً بالفقر مشكلةٌ حقيقية في ظل حياة البذخ التي يشاهدها الشباب في الواقع الميداني، وتظهرها القنوات الفضائية، فلابد من تفعيل "مجلس القوى العاملة" وأن يبرز أعماله وما تحقق منها بين فترة وأخرى من حيث:
- مراعاة التواصل مع الخريج أو الخريجة الذي أو التي لم يتيسر لهما العمل واشعارهما باستمرار بأنهما موضع عناية وليست هناك صعوبة في ذلك حيث أن التبادل الالكتروني يخاطب الآلاف في مواقعهم أو حتى (جوالاتهم)، وتولد هذه الفقرة أهمية كبيرة للشاب أو الشابة، حيث يبقى الأمل مستمراً ولو بعد سنوات. إن الحل الذي يمكن تطبيقه يجب تنفيذه فوراً: لأن (مشكلتنا ليست في مستحيل نتمناه بل في ممكن ضيعناه).
- إن حل قضايا الشباب أو الشابات وحسن التعامل معهم يحقق وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "أوصيكم بالشباب خيراً، فإنهم أرق أفئدة، لقد بعثني الله بالحنيفية السمحة، فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ". فرفقاً بهم وافتحوا أبواب الأمل أمامهم.
المفضلات