نجيب عصام يماني
نبارك لمدينة البتراء الأردنية المنحوتة في الصخر انضمامها إلى عجائب الدنيا السبع، ولعل هذا النجاح يكون دافعاً لأن نولي آثارنا قمة اهتمامنا ونتكاتف جميعاً أفراداً ومؤسسات لحمايتها والمحافظة عليها فقد حبانا الله بآثار عظيمة ولكن يد الجهل تناولتها بمعاول الهدم والإزالة بدعاوى قاصرة رغم أن المحافظة على آثار من سبقونا من صميم شرعنا الحنيف فرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما مرّ بالحجر بديار ثمود لم يأمر بهدم آثارهم وردم آبارهم وطمس معالمها، بل قال لا تشربوا من مائها شيئاً ولا تتوضأوا منه وأمر أن يستقي الناس من البئر التي كانت تردها الناقة وتركها قائمة تحكي حضارة أمة سادت ثم بادت، كما أن صحابته في فتوحاتهم لم يدمّروا آثار الأقوام الماضية أو يطمسوها أو أزالوا شيئاً منها فحضارة الفراعنة وتماثيل ملوكهم وأصنامهم قائمة باقية حتى اليوم لم يأمر عمرو بن العاص في فتحه لمصر بهدمها وتكسيرها حتى لا يعبدوها من دون الله. لا أتخطّى حدود الواقع عندما أقول إن الآثار الموجودة على أرضنا تمثّل الوقائع والأحداث لتاريخ من سبقونا، ولا أغالي إذا قلت إن هذه الآثار واحة نضرة برزت في أرجائها صور الأحداث التاريخية والوقائع السياسية التي انبثقت إلى العالم أجمع. إن هذه الآثار مهما كُتب عنها لا يمكن أن تكون موحية، إلاّ إذا كانت قائمة فتحسها النفس وتراها العين ويدركها العقل رجوعاً إلى الماضي بعظمته وعبقه في ذكريات حميمة حافلة بأحداث الماضي ورجاله وأفعالهم.
هذه هي آثارنا المنتشرة على مساحة الوطن فيها تسجيل حي للماضي بكل ما فيه، كل أثر من آثارنا
عجيبة من عجائب
الدنيا لو أحسنّا إبرازها

إنها نوع من الذكريات المحبّبة إلى النفس الإنسانية والتي نحن أحوج ما نكون إليها في وقتنا الحاضر. هذه الآثار هي حضارة الإنسان، ففيها حصاد تفكيره ونتائج تجاربه، إن أمم الأرض قاطبة تعتز بآثارها وتحرص على إبرازها بشتى الوسائل والسبل إلا نحن فقد سبقنا غيرنا في تحطيم آثارنا الإسلامية التي أسهمت بدور كبير في حضارة العالم بدلاً من إبرازها لتكون وسيلة فخر وعز لنا فمن فوق جبل من جبال مكة المكرمة كان وحي السماء لسيّد الخلق يقول له: «اقرأ» ليعم النور وتشرق الدنيا. فآثارنا ارتفعت وتعظّمت بمزايا خاصة بها أرادها الله لتكون شاهداً حاضراً في كل زمان فتفوقت على آثار الدنيا كلها «فمكة المكرمة» مركز الكون والمدينة المنورة محطة الوجود حيث عاش رسولنا الكريم، فيها عبق التاريخ وآثار الماضي بكل ما فيه ففي هاتين المدينتين المقدستين تراوحت الآثار وتحددت المواقع وتشكّلت الأحداث. إن القادم إلى هذه البلاد لديه كل مشوّقات السياحة في بلاده وشوقه الأكبر رؤية الحرمين الشريفين وآثار هذه البلاد الإسلامية العظيمة وأحداثها. هناك صور جميلة حية تنطق بروح العصر الذي كانت فيه وتجعل من السائح والمقيم والمواطن متقمصاً للشخصيات التي عاشت هذه المواقع والأحداث مندمجاً في طبيعتها بعيداً عن الخيال قريباً من الحقيقة رابطاً أحداث الماضي العظيم بعضها ببعض فتساعده على الاستفادة واستخلاص العبر والرجوع إلى واقع هذا الدين العظيم فيخفق قلبه وهو يرى بعينيه غار حراء بشموخه وعظمته ودار الندوة أول دار للشورى ودار الأرقم أول مدرسة في الإسلام ووادي محسر مكان ظهور طير الأبابيل على جنود أبرهة. وموقع غزوة الحديبية وأصدائها العظيمة وبئر طوى وجبل خندمة ودخوله مكة مظفّراً من موقع يُقال له اذاخر وموقع خيمة الأبطح أمام قبر خديجة لتفرح بنصره، وغيرها. كل واحدة منها عجيبة من عجائب الدنيا لو أحسنا إبرازها. وما مدينة البتراء الأردنية إلا صورة مصغرة لمدائن صالح والتي ذكرها الله في قرآنه. طالت يد التشويه الكثير من معالمها ورسومها ومجسماتها. كما أن مدينة رسول الله مليئة بالأحداث والوقائع، فهنا ثنية الوداع وهنا سقيفة بني ساعدة أول مجلس شورى في الإسلام، هذه بئر بيرحاء وذروان ورومه واربس أو الخاتم، وهذا مسجد الغمامة والقبلتين، وهنا مكان بدر أول معركة في الإسلام وهذا جبل سلع درع المدينة لاكتشاف العدو أزيل من على الخارطة وهذا أُحد العظيم الذي نحبه، وهذا جبل أبي ذر الغفاري معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنا كانت الخندق والأحزاب فأرضنا كلها تاريخ وآثار تدل على هذا التاريخ، وقد أكّد عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان أن بعض آثارنا قد أُزيلت بحجة سد الذريعة وأنه متألم لاندثار هذه الآثار التي لم تُستغل لتقوية الجانب الروحي عند الأطفال والشباب في الوقت الذي اهتممنا بكل أنواع الترفيه وأغلقنا الأبواب التي تقود إلى إشباع الروح وجعلنا عليها تحفظات. ونحن نتألم كذلك مما حلّ بآثارنا التي أزلناها وجعلناها أثراً بعد عين. فلنحم الباقي منها ونعمل على تطويرها وإبرازها فهي أمانة أكثر من أمانة المحافظة على بحيرة الأربعين أو جدة القديمة ودفع الملايين فيها بحجــة أنهـــا آثــار، فرّطنا في الأهم لنحافظ
على المهم.