التقاعد وقصقصة أجنحة التعليم

العمل في التعليم ليس كالعمل في أي مهنة
فمجال العمل هنا والمستهدف هم البشر رجال الغد
الذين سيصنعون المستقبل ، ونحن نطمع أن يكون المستقبل مشرقا بكل ما تحمل الكلمة من معنى يحمل الأمن والأمان والعيش الرغيد لأبناء الوطن .
ولكن حتى تصنع المستقبل لابد أن يكون لديك تراكمات وخبرات كبيرة تستلهم وتستنير بها أفاق المستقبل, هذه الخبرات تضيء الطريق وتغنينا عن العمل بتجربة الصواب والخطأ التي تكلف الكثير من الوقت والجهد وربما المال .
يا أخوان موضوعي هذا والذي أرجو أن تشاركوني فيه عن الخبرة والتقاعد .
الخبرة لا تشترى بالمال ولا تُنال بالشهادات ولا تورث .
الخبرة المفتاح إليها الممارسة والزمن فقط ، فالشهادات قد تكسب العلم ولكن العلم بدون ممارسة كأنه لم يكن ، ومر علينا كثير من أصحاب الشهادات لا يساوون ثمن ورق شهاداتهم .فاليوم نشاهد الشركات العالمية تشترط الخبرة وتبحث عن كل خبير مهما بلغ سنه فنشاهدهم وقد شابت رؤوسهم وتهتكت أسنانهم وارتعشت أقدامهم .

ولكن الحاصل في التعليم عندنا هو العكس .
حتى أصبحنا فيه بدون خبرات والسبب هو نظام التقاعد الجائر الذي جفف منابع الخبرات لدينا .
سن الستون عاماً بدون شك من يعمل في مجال التعليم إلى هذا السن هو خبير وأستاذ ومرجع .
في هذا السن ((سن نضوج الخبرة التي تغنيك عن كثير من الدراسات والاجتماعات والمكاتبات)) يتقاعد الخبير ونفقده من الميدان .

إن الأمم التي وضعت نظام التقاعد عند سن الستين تراجعت عن أنظمتها أكثر من مرة حتى أن بعضها اشترط للتقاعد تقريرهيئة طبية . إنهم أناس عرفوا أهمية الخبرة .
ونحن لا نزال في الجمود الذي يؤسس التخلف .
قبل أيام صدر قرار تقاعد الأستاذ عبدالرحيم الزلباني
مدير التربية والتعليم في ينبع لبلوغه الستون عاماً
أولا أشك أنه بلغ الستين عاما فكلنا يعرف كيف كانت عملية التسنين في السابق .
ثم أن رجل مثل الأستاذ عبدالرحيم أمده الله بالصحة والعافية لا زال في قمة عطاءه وتوهجه . خبير يتفجر علما وحكيم ينثر لسانه درراً ,مرجع لأهل ينبع عامة ، وفي مجال التربية والتعليم خاصة .
أي منطق وأي نظام يحرم أجيال المستقبل الاستفادة من خبرة رجل مثله .
إن كنا نجلب الخبراء من الخارج وندفع لهم الكثير الكثير لماذا لا نعدل أنظمتنا للاستفادة من مثل هذا الرجل؟ .
كيف نسمح بذهاب خبرته وعلمه وحكمته سدى .؟
لماذا نقصقص أجنحة التعليم كلما نبت ريشه ليطير بالأمة بنظام التقاعد البائس ؟ .
كثير من أهل العلم والتعليم في ينبع ممن كان لهم شنة ورنة وشأن كبير بعد التقاعد فقدناهم تماما في التعليم . خبراتهم ذهبت وتكاد أن تتلاشى حتى من صدورهم . وكان بإمكانهم العطاء والعطاء .
آآه لوكنت مسؤولا عن التقاعد والتقاعد المبكر بالذات لأوقفته تماماً وأول ما أوقفت تقاعد أستاذنا العزيز عيد عويد الرفاعي مساعد مدير التربية والتعليم . فلو كان التظاهر والتجمع مباحا لدينا لجمعت منكم عشرة آلاف وتوجهنا جميعا لمنزله نطالبه بالعدول عن التقاعد وإن أصر فلا بد من التعاقد . هذا الرجل لو كان في بلد غير بلدنا هذه لتهافتت عليه العقود والإغراءات من كل حدب وصوب .
مبدع وناجح أينما وجدته يفرض محبته على من يتعامل معه فهو قبلتنا إذا استعصت الأمور نتقبل منه القرار ولو كان أمراً بصدر رحب ، مرجع كامل لا تحتاج لغيره بعده من جيل يكاد أن ينقرض في العمل الحكومي . فكل موظف حكومي عندما تتوجه لمكتبه تضع في الحسبان احتمال وجوده على مكتبه أو عدمه إلا الأستاذ عيد عويد الرفاعي فوجوده أمر محتم . الرجل كلنا نعرف من هو في تعليم ينبع على مدى عشرون عاما سلفت . وهو لا زال بصحة وعافيه زاده الله منها وأمده بالقوة والنشاط والحيوية . لا بارك الله في نظام التقاعد هذا الذي يسمح لمثل الأستاذ عيد بالتقاعد وكلي أمل ورجاء أن توجهوا له من هنا نداءً أخيراً للعدول عن قراره فالفرصة لا زالت قائمة .
ولا بارك الله في نظام التقاعد هذا الذي يقصقص أجنحة التعليم ويفقده خبراته وملوكه والمتمكنين منه .
هذا والله أعلم .إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فإن الله غفور رحيم .