من كتاب قصائد أعجبتني للدكتور غازي القصيبي
إخترت لكم هذه المقتطفات من قراءة الكاتب لمرثية مالك بن الريب
وبالتأكيد فإن كتابتي للقراءة مختصرة بعض الشيئ .
تبدأ القصيدة : الفلم بداية أخاذة بلقطات الماضي : شجر الغضا الذي ينبت في موطن الشاعر والذي حولته القصيدة إلى رمز لهذا الوطن ، ولكل ما يمثله في وجدان الشاعر المحتضر . وأشهد الله أني لم أعثر في قراءاتي كلها على تكرار جميل يسقيك الأسى جرعة بعد جرعة كتكرار الغضا في هذه الأبيات .
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ألا ليت شِعري هلْ أبيتنّ ليلةً = بجنبِ الغضىَ أُزجي القلاصَ النَّواجيا
فليت الغضى لم يقطعِ الرّكب عرضهُ = وليت الغضىَ ماشى الرِّكابَ لياليا
لقد كان في أهلِ الغضى لوْ دنَا الغضى = مزارٌ ولكنَّ الغضىَ ليس دانِيا [/poem]
لماذا ترك الشاعر منابت الغضا الذي يحبه وانطلق في بلاد نائية غريبة ؟
إسمعوا الجواب :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ألم ترني بِعتُ الضلالةَ بالهُدى = وأصبحتُ في جيش ابن عفان غَازِيا [/poem]
ثم ماذا حدث ؟
إلتقى الشاعر بالموت وشعر بالحنين إلى موطنه وهو يحتضر ، فخاف أن يلام على البكاء وهو فارس مقدام
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
دعاني الهوى من أهل وُدّي وصُحبتي = بذي الطّبسينِ فالتفتُ ورَائِيا
أجبتُ الهوى لـمّا دعاني بزفرةٍ = تقنَّعتُ منها أنْ أُلاَمَ رِدائيِا [/poem]
يقول بعد ذلك في دعابة مرّة نستغرب صدورها من رجل يوشك أن يموت إلا أن كان رجلاً أسطورة كشاعرنا :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لعمري لئن غالتْ خُراسانُ هامتي = لقدْ كنتُ عن بابيْ خُراسان نائيا[/poem]
ولكن – هل ندم شاعرنا على القرار الذي قاده إلى منيته في خراسان ؟ لم يندم على شيئ ! لا على حياته الحافلة ولا على نهايتها الرائعة ، إنه يقول إنه أقدم على هذه الرحلة ولديه شعور خفي عميق أنها ستنتهي بالموت ، يقول لنا كيف ترك أهله وماله طائعاً في وداع ما بعده لقاء :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فللّه درِّي يوم أتركُ طائعاً = بَنِيَّ بأعلى الرَّقمتينِ وماليا[/poem]
ويقول لنا أن الظباء السائحات التي لقاها في طريقه كانت تبشر بموته ، وذلك رغم أن العرب كانوا يتفاءلون بالسائح من الصيد :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ودرُّ الظباءِ السّانحات عشيةً = يُخبرَّن أنِّي هالكٌ من ورائيا [/poem]
بل يقول لنا أن أبويه كانا على علم بنهاية الرحلة :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ودرُّ كبيريّ اللّذينِ كلاهما = عليَّ شفيقٌ ناصحٌ ما ألانيا [/poem]
ثم يقول لنا في وضوح تام أنه عاش حياته بالطول والعرض وأعتصرها حتى الثمالة ، وأنه غير نادم على شيئ :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ودرُّ الهوى من حيثُ يدعو صحابه = ودرُّ لجَاجاتي ودرُّ انتهائيا [/poem]
ثم تقفز بنا القصيدة إلى المستقبل ، فتلاحق مشاهد الحزن التي ستتكشف عندما يذاع خبر الموت ، ويتصور شاعرنا أن أشد المفجوعين لوعة هم رفاق الكفاح ، أسلحته وحصانه :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
تذكرتُ من يبكي عليّ فلم أجد = سِوى السيفِ والرمحِ الرُّدَيني باكيا
وأشقرَ خنذيذٍ يجرُّ عنانهُ = إلى الماء لم يترك لـه الدّهرُ ساقيا [/poem]
ثم النساء الحبيبات في موطنه :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ولكن بأطراف السُّمينةِ نسوةٌ = عَزيزٌ عليهنّ العَشيةَ ما بيا
صَريعٌ على أيدي الرجالِ بقفرةٍ = يُسوُّونَ لحدي حيثُ حُمَّ قضائيا [/poem]
بعد ذلك تعود بنا القصيدة إلى الحاضر لحظات الإحتضار في خراسان :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ولمّا تراءت عند مرو منيّتي = وحلّ بها سُقمي وحانت وفاتيا
أقول لاصحابي ارفعوني فإنني = يَقرُّ بعيني أن سُهيل بدا ليا [/poem]
كلما قرأت هذا البيت الأخير تصورت شاعرنا المحتضر وهو مرفوع على أيدي رفيقيه يتطلع في لهفة إلى السماء صوب سهيل ( وهو نجم يماني ) فيذكره بمرابع الصبا في موطنه ، وهو في إتجاه اليمن .
في الأبيات التالية يتحدث شاعرنا إلى رفيقيه ويعدد طلباته الأخيرة :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وياصاحبي رَحْلى دنا الموتُ فانزلا = برابيةٍ إني مقيمٌ لياليا
أقيما عليّ اليومَ أو بعض ليلةٍ = ولا تُعجِلاني قد تبينَ ما بيا
وقوما إذا ما سُلَّ رُوحي فهيئا = ليَ السِّدْرَ والاكفانَ ثمّ ابكيا ليا
ولا تحسُداني باركَ اللهُ فيكما = من الأرضِ ذاتِ العرضِ أنْ توُسعا ليا [/poem]
يقال أن حياة المحتضر تمر أمام عينيه شريطاً سريعاً من الذكريات ، وسواء صح هذا القول أو لم يصح ، لقد كانت حياة الشاعر تمر أمام عينيه في تلك اللحظات .
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وخُطّا بإطراف الأسنةِ مضجعي = ورُدَّا على عينيَّ فضل ردائيا
خُذاني فجُراني ببردي إليكما = فقدْ كنتُ قبل اليومِ صعباً قياديا [/poem]
ثم تتوالى المشاهد ، فهنا مشهد من مشاهد الفروسية :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وقدْ كنتُ عطّافاً إذا الخيلُ أدبرت = سريعاً لدى الهيجا إلى من دعانيا
وقد كنتُ محموداً لدى الزّاد والقِرَى = وعن شتمي ابن العَمِّ والجارَ وانيا[/poem]
وهنا مشهد من مشاهد الصبر والصمود :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وقد كنتُ صباراً على القِرنِ في الوغى = ثقيلاً على الأعداءِ عضباً لسانيا [/poem]
وهنا مشهد من مشاهد السفر والترحال :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وطوراً تراني في ظلال ومجمعِ = وطوراً تراني والعتاق ركابيا[/poem]
وهنا مشهد من مشاهد الشجاعة والإقدام :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وطوراً تراني في رَحاً مُستديرةٍ = تُخرِّقُ أطرافُ الرِّماحِ ثيابيا[/poem]
ثم تقفز بنا القصيدة نحو المستقبل فتسبق الأحداث بعد أن يوسد الشاعر مقره الأخير ، ويتوجه صاحباه إلى عشيرته وذويه :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فقُوماً على بئرِ الشُّبيكِ فأسمعا = بها الوحشَ والبِيض الحِسان الرّوانيا
بأنكما خَلَّفتماني بقفرةٍ = تَهيلُ عليَّ الرّيحُ فيها السّوافيا [/poem]
ولا يستطيع شاعرنا البطل أن يغالب النزعة الطبيعية الإنسانية في أن يُذكر بعد موته :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ولا تنسيا عهدى خليليّ إنّني = تقَطّعُ أوصالي وتبلىَ عظِاميا [/poem]
ولكنه يدرك أن شعور الحزن سيتلاشى بعد قليل ، ويبدأ أهله في التفكير في الميراث :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فلن يعدمَ الولدّانُ بيتاً يُجِنُّنِي = ولن يعدم الميراث منّي المواليا[/poem]
ثم تعود القصيدة بسرعة خاطفة إلى الدقائق الأخيرة من حياة الشاعر لتسخر من تفاؤل أصحابه الذين يحاولون التخفيف عنه :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يقولون لاتبعُدْ وهُم يدفنوني = وأين مكانُ البُعدِ إلاّ مكانيّا ؟[/poem]
ثم قفزة أخرى إلى المستقبل فتصور وضع الشاعر وحيداً في قبره :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
غداة غدٍ يالهفَ نفسي على غدٍ = إذا أدلجوا عنّي وأصبحتُ ثَاويا [/poem]
وتتصور القصيدة مصير المال الذي جمعه بعدحياة عاصفة من المغامرات ، وضحى بنفسه في سبيل جمعه :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وأصبح مالي من طريفٍ وتالدٍ = لغيري وكان المالُ بالامسِ ماليا [/poem]
وتساءل كيف ستسير أحوال الحرب والسلم بعد موته :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فياليت شعري هلْ تغيّرتِ الرَّحا = رحا الحربِ أم أضحتْ بفلجٍ كما هيا [/poem]
ثم يتساءل عن موقف أمه عندما يبلغها نعيه :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وياليت شعري هل بكتْ أمُّ مالكٍ = كما كنتُ لو عالوا نَعيّك باكيا[/poem]
ثم يطلب من أمه أن تذهب إلى الصحراء فتزور منطقة القبور وتتصور بعين الخيال قبراً بعيداً نائياً يغطيه الغبار الأحمر بألوان الشفق :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
إذا مُتُّ فاعتَادي القبور فسلِّمي = على الرّمسِ أسْقِيتِ السّحاب الغواديا
ترى جدثاً قد جَرَّتِ الريحُ فوقهُ = غُباراً كلون القسطلانيِّ هابيا
رهينة أحجارٍ وبئرٍ تضمّنت = قرارتُها مِنّي العظام البواليا [/poem]
بعد ذلك تتناول القصيدة رسائل الشاعر الأخيرة إلى أهله وذويه :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فيا راكباً إمّا عرضتَ فبلِّغا = بني مالكٍ والرّيبِ ألا تلاقيا [/poem]
ويطلب أن تسلم ثيابه إلى أخيه وأن تبلغ زوجته همسة الوداع :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وأبلغ أخي عمرانَ بُردِي ومئزري = وبلّغ عجُوزِي اليوم ألا تدانيا
وسلّم على شيخيَّ منِّي كليهما = كثيراً وعمي وابن عمي وخاليا [/poem]
ويطلب أن تترك ناقته ترعى طليقة :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وعطل قلوصي في الركاب فإنها = ستبرُدُ أكباداً وتبكي بواكيا
وأبصرتُ نارَ (المازنياتِ) مَوْهِناً = بعَلياءَ يُثنى دونَها الطَّرف رانيا
بِعودٍ أَلنْجوجٍ أضاءَ وَقُودُها = مَهاً في ظِلالِ السِّدر حُوراً جَوازيا
غريبٌ بعيدُ الدار ثاوٍ بقفزةٍ = يَدَ الدهر معروفاً بأنْ لا تدانيا[/poem]
أما في الأبيات الأخيرة فتمتزج المحاور الثلاث : الماضي والحاضر والمستقبل
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أقلبُ طرفي فوق رحلي فلا أرى = به من عُيون المؤنِساتِ مُراعيا
وبالرملٍ منّي نسوةٌ لو شهدنني = بكين وفَدَّين الطبيبَ المُداويا
فمنهن أُمِّي وابنتاها وخالتي = وباكيةٌ أُخرى تهيجُ البواكيا
وما كان عهد الرمّل مني وأهله = ذميماً ولا ودّعْتُ بالرّملِ قاليا [/poem]
آمل أن تستحق المجهود الذي بذل في كتابتها. لتنال الإعجاب
تحياتي ،،،
المفضلات