دأب الآباء على تصور العلم على أنه قسمان:
علم دنيوي وعلم ديني وأن بينهما افتراقاً وهذا التصور تصور خاطئ في الإسلام فأن الحياة الدنيا مرتبطة بالحياة الآخرة وأسباب الحياة الدنيا هي أسباب الحياة الآخرة ويتضح ذلك في قوله تعالى: (وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {201} أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
وفي الحديث الشريف الذي ينبئنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام مر وأصحابه على رجل عبل الذراعين يعمل فقال أصحابه: لو كان هذا في سبيل الله يا رسول الله؟ فأجاب عليه الصلاة والسلام: (إن كان خرج يسعى على أهله فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يكفها عن مسألة الناس، فهو في سبيل الله) وفي حديث آخر: (واللقمة تجعلها في أهلك صدقة) هو قطعة من حديث طويل رواه مسلم. ومن الخطأ في هذه النظرة القائمة على القسمة والتفريق نرى كثيرا من الآباء يحرصون على تعليم أبنائهم العلوم الدنيوية ليكسبوا لهم مستقبلاً حياتياً ويعزفون عن تعليمهم العلوم الشرعية.إن الارتباط بين العلوم الدينية والدنيوية يعطي توجيهاً أخلاقياً سليماً للعلوم الدنيوية ويجعلها مسخرة لخدمة الإنسان بعيدة عن الشرور والآثام التي تحفل بها الحياة.
وإن مما يثلج الصدر أن نرى اليوم من شبابنا من أعاد الربط بين هذين النوعين من العلوم فتراه متمكناً في دينه وعلومه عارفاً به بارعاً في طبه إن كان طبيباً أو هندسته أن كان مهندساً أو علمه أن كان عالماً. وفي بعض البلاد الإسلامية أدركت خطر التفريق بين هذين النوعين في العلوم فجمعت بينهما في جامعاتها ومدارسها وأدخلت في مناهجها وكتبها علوم الإسلام إلى جانب العلوم الكونية وقرنت بينها فشب جيل جمع بين العلوم الكونية والدينية وخلط بينهما في نفسه وجدد ما كان قارب أن يندثر من ماض رائع جميل. وحتى نحن يجب أن تقوم تربيتنا لأبنائنا قائمة على الجميع بين النوعين من العلوم وإيضاح أن الأرزاق ليست بيد العباد وإنما هي بيد رب العباد، وليست سعة الرزق مرتبطة بما نحصله من شهادات علمية وإنما بما نحصله من توفيق الله فكم من طبيب أمضى عمره في الدراسة والتحصيل والتخصص وترى عيادته فارغة !! وكم من طبيب حصل من العلم أقله وترى عيادته مكتظة بالمرضى والزبائن !! وكم من جاهل آتاه الله من المال وسعة الرزق ما لم يعط أحداً من المتعلمين!! ويجب ألا ننسى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (اعملوا، فكل ميسر لما خلق له) أخرجه الطبراني عن ابن عباس وعمران بن حصين وهو حديث صحيح. وأحب ألا يفهم أحد من كلامنا هذا أننا ندعو إلى ترك العلوم الكونية بل نحن من أشد الناس حرصاً عليها فهي من فروض الكفاية التي لا يحق للمسلم أن يتهاون فيها.
بين المواهب العقلية.. والشعور العاطفي
المواهب العقلية والفكرية
أن في هذه الفترة تنمو المواهب العقلية والفكرية نمواً عظيماً فيصبح الولد قادراً على مزيد من الاستيعاب والتعلم والحفظ ولقد حدثنا تاريخنا عن علماء عظام بلغوا ذروة القدرة على التلقي والعلم في هذه الفترة كالإمام الشافعي والإمام أبن تيميه وغيرهما ومن المهم جداً أن نستفيد من هذا النمو في توجيه أولادنا التوجيه السليم.
الشعور العاطفي
أن في هذه المرحلة ينمو الشعور العاطفي نمواً محسوساً وهذا الشعور العاطفي قد يتخذ صوراً مختلفة فمن الأولاد من يتجه شعوره إلى أخذ صورة الاهتمام بالجنس الآخر فترى الشاب أو الفتاة يعيش الواحد منهما على أحلام خيالية قد تتكون في ذهنه أو نفسه وقد لا يكون لهذه الأحلام أي أساس واقعي فمن الفتيان من يتخيل نفسه أجمل الشباب ويظن أن الفتيات متيمات به هائمات بجماله فإن رأى فتاة تبتسم ظن تلك الابتسامة له وأن رآها أبدت حركة بيديها فسرها على أنها إشارة له وكذلك الأمر بالنسبة للفتيات فهو لا يختلف عن موقف الفتيان. ومن الأولاد من يسمو شعوره العاطفي فيتخذ شكلاً آخر فتراه مهتماً بالرياضة يعطيها من وقته وجسمه ولا يبخل عليها بشيء همه أن يحقق فيها وجوداً وأن يكون له كيان وتبقى صورة البطل ملازمة في تصرفاته فتراه يلبس الملابس الضيقة التي تظهر تقاطيع صدره وعضلات عضدية وساعديه.. وتراه مهتماً بارتياد الملاعب والمسابح وحضور المباريات والحفلات الرياضية. وهذه الظاهرة التي كانت مقتصرة على الذكور من أولادنا قد سرت عدواها إلى الإناث منهم فأصبحت الفتاة ترتاد الملاعب وتؤدي التمارين وتجتاز الاختبارات والمباريات. أننا الآن لا نقَّوم هذه الظاهرة ولكن نشير الى مدى تأثير الشعور العاطفي في توجيه سلوك الفتاة في هذه المرحلة. من مظاهر السمو العاطفي أيضا: الاتجاه نحو التدين.. لما في الدين من غنى روحي وإعطاء راحة نفسية كبيرة والملاحظ أن الشاب في هذه المرحلة إذا اتجه اتجاهاً دينياً اندفع اندفاعاً كبيراً وعنيفاً لما في الشباب من روح وحيوية. ويمكن استغلال الاتجاه العاطفي المتمثل في الحماس الديني في توجيه الشاب توجيهاً قويماً وذلك بإغناء فكرة بأسس العقيدة الإسلامية ووضع القاعدة الفكرية الإسلامية والتوجيه نحو الاستزادة من الثقافة الإسلامية حتى إذا ما خبت العاطفة أو ضعفت كنا قد بنينا في نفوس أبنائنا بناء متيناً قوياً ثابتاً لا يتزعزع مع مرور عواصف التشكيك والشبهات. أن العاطفة في هذه الفترة تدفع الشباب الى العمل ومنه الجهاد والانطلاق في خدمة الدعوة الإسلامية والحماس الذي نجده في هذه الفترة لدى الشباب لا نكاد نجده في أيه فترة أخرى من فترات الحياة. من مظاهر الشعور العاطفي أيضا الميل الى تعلم الموسيقى أو الشعر أو الرسم وبذل الوقت والجهد من أجلهما. أن هذه الفترة قد تكون فترة خير على صاحبها أو فترة شر فإن وجه توجيهاً سليماً صحيحاً حاز السعادة في الدنيا والآخرة وأن ترك دونما توجيه تناولته أيدي الانحراف والطيش وكان ذلك وبالاً عليه في الدنيا والآخرة.
المطالعة في هذا السن
نتابع في هذه الفترة تنمية حب المطالعة في نفوس أبنائنا ذلك الحب الذي دعونا إلى بذره في نفس الابن في المرحلة الثانية وهذه المراحل استمرار للمراحل السابقة ألا أنها تتميز في أن أنواع العلوم والمعارف فيها أكثر. فالقراءات في هذه الفترة تتنوع وتتعدد وهذا يدعونا إلى ملاحظة ما يقرأ أبناؤنا في هذه المرحلة فكثيراً ما يعمد الأبناء من ذكور وإناث إلى قراءة القصص والروايات الغرامية أو الإجرامية (البوليسية) التي تفسد الفكر وتحرك العاطفة وتثير الغرائز وتدعوا الى المعصية أو الانحراف أو الجريمة من أمثال قصص أرسين لوبين وبعض قصص إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي. كما أن من أخطر القراءات التي تغري أولادنا ولا سيما الفتيات منهم تلك المجلات التافهة التي تعني بأخبار من يسمون باسم الفنانين والفنانات ولسنا هنا لذكر أسماء هؤلاء فذلك أمر يطول لأنه في كل يوم لنا مجلات جديدة وأسماء مستحدثة يحررها شياطين الإنس يفسدون فيها أفكاراً ومشاعر الناشئة ويجعلون من هذه الطبقة من البشر الذين ألفوا الحياة الفاسدة نماذج بشرية تحتذي وتشتهي حياتها حتى أصبح من أهم طموحات كثير من أبنائنا أن يكون كالمغني فلان أو الراقصة فلانة أو الفنان فلان أو الفنانة فلانة.
وكمثال سئلت فتاة نحو تطلعاتها بالمستقبل فأجابت أنها تود أن تصبح راقصة وحين اعترض عليها بأن هذا الطموح فاسد ولا ينسجم مع الدين والخلق الكريم كان جوابها بأنها ستكون راقصة محجبة!! لا يظن أحد أنني ابتدع من عندي شيئاً فهذا الجواب في رأيي جواب طبيعي لأن مثل هذه الفتاة نشأت في بيئة طيبة ولكنها عدمت التوجيه الصحيح وسيطرت عليها هذه المجلات الخبيثة فخلطت في نفسها صالحاً بطالح. إن المجلات الفنية من أخطر السموم الفكرية والنفسية والاجتماعية التي يمكن أن تقدم للناشئة في ثوب بهرج براق مخادع وهي قادرة على إفساد أبنائنا بصورة قوية وأن تهدم صرح الخلق والفضيلة. لأنها ببساطة تعرض الصور الخليعة العارية التي تبرز خفايا جسد المرأة وتثير الغرائز لدى المراهقين والمراهقات.. وما يقدمونه تحت عنوان (باب التعارف) !! حيث تقوم بدور الشيطان في الربط بين الفتيان والفتيات. خيراً لنا أن نمنع أبناءنا من الاحتكاك بهذه المجلات من أن نتركها بين أيديهم حتى تفسد أخلاقهم وشهامتهم ثم نسعى جاهدين في إصلاح ما أفسدته والوالد العاقل الذي يحرص على منع دخول هذه المجلات داره كما يحرص على منع دخول جرثومة الطاعون. هناك موضوعاً مهماً ما كنا نسمح به في المرحلة السابقة إلا وهو السماح له بقراءة بعض الكتب التي تناقش المبادئ الهدامة والمنحرفة كالشيوعية والوجودية وغيرها. ونسعى أن نفتح معه حواراً حول ما فهم منها وما أعجبه وما لم يعجبه ومن الحسن أن نطلب منه تلخيص السيئات لهذه المذاهب ونحرص على البحث في الإسلام عن الحسنات التي تغني عن هذه السئيات والتي تجعلنا أشد إيماناً بالتعلق بالإسلام وهجر بقية النظم. وهذه المناقشة مفيدة جداً إذا ربما استغلق على الوالد نقطة أورثت شبهة أو لم يفهم كيف يكون الرد فإننا بمناقشتنا قد نزيل اللبس ونساعد على الفهم فضلاً أننا نشعر الولد بشخصيته حين ندير معه نقاشاً ونستمع إلى كلامه فتنمو ملكاته وقدراته العقلية وتؤهله لمستقبل الأيام فلا يقبل أية فكرة تسليماً دون نقاش لأن من الأمور الهامة لإنسان المسلم أن يأخذ أصول الأمور بعين العقل والمناقشة والفهم والاقتناع أما الفروع القائمة على الأصول فإنها تبني على هذه الأصول وتدخل باب التسليم. وكم يثلج صدر الأب أن يرى أبنه أو أبنته وقد اتسعت مدارك كل منهما وأصبح قادراً على فهم ما يريد أبوه فلا يحيجه ذلك إلى نقاش أو شرح وهو ما يتغير عنه في حياتنا اليوم بأن فلانا ذكي جداً يدرك الأمور بداهة ويستبق الحلول قبل أن تطلب منه.