موضي تمارس حريتها في شارع التخصصي

عبدالله ناصر الفوزان*

ما هذا...! قالتها غاضبة ثم ضربت بالصحيفة على الأريكة التي تجلس عليها... وقالت: يصادرون حتى حرياتنا المباحة...!
كانت موضي قد انتهت للتو من قراءة مجمل تلك الاعتراضات على فتح المجال للحوار حول قيادة المرأة للسيارة... وعَجِبت... قائلة... يقفلون حتى باب الحوار...! إذا كانوا يقولون إن قيادة المرأة للسيارة غير محرمة من الناحية الدينية فلماذا يصادرون حرياتنا...؟ وقامت غاضبة وهي تقول: لابد من أن أفعل شيئاً يكشف زيف الادعاءات... طيب... ما رأيهم في قيادة المرأة للدراجة...؟ إنها لا تحتاج إلى رخصة من المرور وسأمارسها فهل لدى أحد ما يستند إليه في منعي...؟.
ارتدت بلوزة واسعة تغطي أسفل العنق... وسروالاً فضفاضاً على الطريقة الباكستانية... وحذاء رياضياً... ووضعت عباءتها على كتفيها... وأحكمت نقابها على رأسها, ثم أخذت الدراجة التي كانت تقودها عادة في البيت... وخرجت من منزلها وركبت الدراجة وأخذت تسير في طرقات حيها... وكان كل من مرت به وقف مذهولاً... وبعضهم يرفع يده ويهزها ليقول هل أنت مجنونة...؟ واستمرت غير عابئة بأحد... وخرجت من حيها وبدأت تسير في أحد الشوارع الرئيسة في مدينة الرياض... وبدأت تلفت الانتباه أكثر لكنها لم تكترث لكل ذلك... واتجهت إلى شارع التخصصي الذي لم يكن بعيداً عن منزلها.
كان منظرها وهي تقود الدراجة... منقبة... والعباءة على ظهرها... لافتاً للنظر بدرجة صارخة, ولذلك فقد كان المشاة في الشارع يقفون مذهولين حين يرونها, وبعضهم يشير بإصبعه لمن حوله وكأنه يقول: شوفوا... شوفوا... أما السيارات فقد اضطربت حركتها لانشغال سائقيها بالفرجة على المشهد المثير.
واستمرت تسير في شارع التخصصي بهدوء عجيب كأنها تسير وحدها في الخلاء... وبدأت تلفت نظر بعض الشباب... وتكاثرت الرسائل في جوالاتهم... الحقوا... الحقوا... بنت مبرقعة تركب سيكل في شارع التخصصي... وأصبحت مقصد كثيرمن الشباب... وشيئاً فشيئاً أصبح يحف بها موكب من سياراتهم... وعلا الصفير والهتاف وأصوات الأبواق... وتضخم الموكب... وعرفت الشرطة... وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... فجاءت الفرق.. وتنبهت "موضي" فتركت شارع التخصصي ودخلت طرقات الحارة المجاورة... ثم خرجت إلى طريق الملك فهد... واستمرت تسير في طريق الخدمة... والفرق تبحث عنها... ثم وجدتها فواصلت مطاردتها... وعادت "موضي" إلى الدخول في طرقات الحارة... وظلت هكذا... كلما شعرت باقتراب الفرق منها انحرفت إلى طريق جانبي ثم عادت إلى الشارع العام... وتكاثرت الفرق... وتكاثرت سيارات الشباب... وتعاظم الموكب... وبدأت تلعب مع الجميع لعبة أخرى... فأصبحت توهم الجميع بأنها قد توقفت... وعندما تقف السيارات تواصل سيرها مسرعة بين سيارات الموكب... وظلت هكذا فترة طويلة... وعلمت بعض وسائل الإعلام المحلية والأجنبية... فجاء المراسلون والمصورون... وبعض الفرق التلفزيونية... وبدأت المطاردة تصبح حية على الهواء في بعض المحطات التلفزيونية... وتحولت المطاردة إلى مسرحية مثيرة يتفرج عليها عدد كبير من سكان المملكة وبعض سكان الدول الأخرى على الهواء مباشرة كأنها تلك المطاردة المثيرة والشهيرة للاعب الكرة الأمريكي سمبسون.
بعد عدة ساعات توقفت "موضي" وانشغلت بإعادة ترتيب عباءتها ونقابها... وأحاط بها أفراد عديدون من تلك الفرق التي كانت تطاردها وبدأوا يهزون أيديهم في وجهها ويقولون... وش فيك ... هل أنت مجنونة...؟!.. دوختينا الله يدوخك... واشغلتينا الله يشغلك... وأزعجت السلطات... فرفعت "موضي" يدها مثلهم وقالت... ما شاء الله ... من اللي أزعج الآخر...؟ أنا ولاَّ أنتم...؟! ما تستحون على وجيهكم... تطاردوني من الصبح كِنِّي مجرمة... أنا وش سويت...؟ فنظر الأفراد إلى بعضهم مذهولين وقال أحدهم... صحيح واجه الصياح بالصياح تسلم... فقالت "موضي" مستنكرة... نعم... نعم...؟! أسلم... أسلم من إيش...؟! هل خرجت على الدين...؟ أو على النظام...؟ أنا أركب سيكل وهو ما يحتاج رخصة من المرور... وأنا متغطية... وش في هذا...؟ أنا اللي أبرفع عليكم دعوى في المحكمة... أزعجتوني... وضايقتوني... أنتم وهالشباب الصايعين.
واستمرت "موضي" تهز يدها في وجوههم وتقول... "هو مَشِيْ الحرمة في الشارع ممنوع وأنا ما دريت...؟ وأياه أحسن واسلم لي... أمشي على رجولي وإلا على دراجة... مالت عليكم... المفروض أنكم تحموني مهوب تطاردوني... لكن أنا عارفة وش قصدكم... أنتم تبون تستريحون مني... تبونّي أنثبر في البيت علشان ترتاحون من حقي اللي عليكم... لكن هذا مهوب حاصل... أنا مواطنة ولي حق عليكم مثل هالشباب... إن كان المشي في الشارع حرام فقولوا لي... وإن كان المشي على الرجول أسلم لي وآمن من الركوب على الدراجة فقولوا لي... أما إذا كان هذا ما فيه شيء فما لكم حق تطاردوني وتزعجوني بدل ما تحموني.
واستمرت "موضي" في مرافعتها الحماسية أمام الجميع وأمام عدسات التلفزيون وعلى الهواء مباشرة... فقالت... يا جماعة... كلكم تدَّعون رفض الإرهاب ومحاربته... فلماذا تمارسون الإرهاب ضدي...؟ أنتم الآن ترهبونني وتريدون بإرهابكم أن أتنازل عن حق من حقوقي... لقد تنازلت لكم عن كثير من حقوقي... تنازلت لكم عن قيادة السيارة مكرهة لأنها تحتاج إلى رخصة... وأنتم من يملك إعطاء الرخصة... لكن قيادة السيكل لا تحتاج إلى رخصة... إنها مثل المشي على الأرجل... هل تريدون أن تصادروا أيضاً حريتي في المشي على الأرجل...؟ بكرة أبجي هنا على حمار... فهل ستطاردونني أيضاً وتمنعونني...؟ ثم نظرت موضي بعينيها البارزتين من خلف البرقع إلى عدسات التلفزيون... وأشارت بكفيها نحو الفرق التي تحاصرها... وقالت تخاطب الجمهور... شوفوا.. شوفوا... وش رايكم...؟ مهوب هذا هو الإرهاب بعينه وعلمه...؟.

.