فهد عامر الأحمدي - جريدة الرياض 14/12/1427هـ
يكاد الانسان يكون المخلوق الوحيد الذي يرى الألوان ويدرك وجودها.. وأقول "يكاد" لأن هناك من يحاول منح الدولفين والشمبانزي نفس الموهبة.
وخلال حياتنا ترتبط الألوان في أذهاننا بخبرات شخصية واجتماعية مختلفة كما ترتبط بمواقف سلبية وإيجابية لانتذكرها بالضرورة. ولأن لكل انسان لونه المفضل ؛ تعمد شركات السيارات (من باب السلامة) الى دهن نصف انتاجها باللون الأبيض وتحاشي الألوان النسائية الفاقعة كونها لاتوحي بالجدية والصلابة.. ويكمن السر هنا في أن (الأبيض) لون محايد يشكل خلفية لمظاهر حياتية كثيرة ولا يمانع في اقتنائه معظم الزبائن حين لايجدون ألوانهم المفضلة.
وفي العقود الأخيرة أصبحت شركات السيارات تهتم أكثر بمسألة توزيع الألوان حسب الأذواق الرائجة في المجتمعات المختلفة ؛ فاللون غير المناسب قد يهبط بمبيعات الموديلات الجديدة في حين قد يعمل التوزيع اللوني الصحيح على بيع كامل الانتاج. وفي معظم الشركات يوجد خبراء في علم النفس يدلون برأيهم حول اللون المفضل لهذا الموديل أو ذاك كما يوجد خبراء تسويق يقومون بمراجعات مكثفة للألوان الأكثر مبيعا في المجتمعات الخارجية.
والألوان ليس لها فقط تأثير قوي على مزاج الانسان وطريقة تصرفه بل وتعبر عن شخصية السائق وسماته الانفعالية.. فاللون الأحمر مثلا له تأثير قوي على الجزء السمبتاوي العصبي المسؤول عن الاستثارة والتحفيز الأمر الذي يجعله مفضلا في السيارات الرياضية. كما يوحي بالقوة والتحدي (لدرجة قد تستثار شخصيا حين تتجاوزك سيارة حمراء فتفكر بمطاردتها كثور أسباني أصيل).
وفي المقابل يعمل اللون الأزرق على خفض ضغط الدم وتقليل سرعة النبض والتنفس وبالتالي الاسترخاء والهدوء (لهذا السبب نادرا ما تجد سيارة رياضية بهذا اللون في حين أنه المفضل في غرف الانتظار والعيادات الطبية). أما الأصفر فلون مفضل في السيارات الشبابية الصغيرة كونه يعطي شعورا بالبهجة والفرح والتعلق بالسيارة ذاتها ( لهذا يغلب الأصفر على لعب الأطفال ومراكز الترفيه).. أما اللون الأسود فيفضله نوعان من البشر ؛ الأول مغرور يتحاشى الاختلاط مع العامة (وهو ما يجعله اللون المفضل في السيارات الفاخرة) والثاني متهور سوداوي المزاج (وهو مايجعل السيارات السوداء الأكثر تعرضا للحوادث في بريطانيا في حين يأتي اللون الكريمي كأقل السيارات عرضة للحوادث).
.. ورغم هذا كله قد تلتزم بعض الشركات بلون واحد فقط لظروف خاصة أو أغراض تسويقية بحتة.. فشركة فورد مثلا كانت في بداية عهدها تنتج سياراتها باللون الأسود فقط خصوصا موديل تي وكان فورد يقول : "يمكن للزبون اختيار أي لون يريده، طالما كان باللون الأسود".. أما سيارات فيراري الرياضية الفاخرة فلا تطلى بغير اللون الأحمر القاني، وسيارات لومبرجيني بالأحمر ثم الأصفر في حين لاتظهر سيارة أودي (المصنوعة من الألمنيوم) بغير اللون المعدني الأصيل!
ولأن آراء الخبراء وجداول الإحصاء لا تغني عن معرفة آراء الناس في الشارع تحرص الشركات على رصد أكثر الألوان مبيعا (في أول عامين من خروج الموديل).. بل إن شركة BMW تحاول جمع أكبر قدر من الآراء قبل خروج السيارة من مصانعها بالطلب من عمال الشركة الذين يتجاوز عددهم العشرة آلاف المرور حول سيارات مختلفة وتسجيل الألوان المفضلة لديهم!
والآن دعني أخبرك بهذه الحقيقة الصعبة:
اللون الذي تختاره لا يعبر عن شخصيتك فقط ؛ بل وكيفية تعامل رجل المرور معك..
..وفي هذه الحالة ليس أسوأ من الأصفر الفاقع
المفضلات