موضوع مهم كتبه اليوم الأستاذ حامد أحمد الشريف أدعوكم لقراءته

ينبع الصناعية .. تنشر الوباء .. وتحرم الدواء




بتاريخ أكتوبر 20, 2016

فيما مضى لم يكن الساحل الغربي في المنطقة الواقعة بين ميناء الجار التاريخي (( الرايس )) وميناء ينبع الحالي كما هو الأن .. كان البحر غنياً بأسماكه الخالية من أوبئة النفط ومشتقاته .. المياه لم تصبح بعد مكباً للنفايات الكيميائية والبترولية .. هواؤه كان نقياً لم تخالطه أدخنة المصانع الملبدة بالسام من الغازات .

في جزء من هذا الساحل كانت ينبع البحر بشاطئ بحرها البكر .. بجمالها الأخاذ .. داخل سورها العتيق .. في أحيائها التاريخية المنجارة والقاد والخريق… وبين تلك الأزقة التي خُضبت بعبق الماضي .. تناثرت المباني الجميلة بطرازها المعماري البحري الفريد .. برواشينها .. بأحجارها البيضاء .. بسوق ليلها الشهير .. بفنونها الفلوكلورية التي انطلقت منها وأصبح يُدندن بها في كل الأرجاء .

في تلك المدينة الحالمة التي انشغل أهلها البسطاء بالحديث في مجالسهم بوجد بالغ عن “ما قالت الريح للنخيل” .. عن الرطب والليمون والحناء .. و العيون التي جاورتهم في ينبع النخل .

الآن وبعد مضي أكثر من أربعين عاماً من إنشاء الهيئة الملكية للجبيل وينبع تبدل الحال غير الحال .. الهموم أصبحت كباراً وابتعد المكان والزمان عن تلك الأحاديث العفوية بعد أن حصدَ الوافدون إليها ــ من كل أصقاع الأرض ــ خيراتها وتركوا لأهلها الأسقام والأوجاع .. مع ذلك لم يفطن القائمون على إدارة مشروع الهيئة للهوة السحيقة التي أصبحت تفصلهم عن أهل الديار .. ذهبوا باتجاه الموروث الشعبي والثقافي .. وطفقوا بمعية مصانعهم وشركاتهم النفطية ؛ يرممون المباني التاريخية .. أقاموا الجدران المهدمة .. أعادوا النزل العتيقة على شاطئ البحر .. و سوق الليل .. استولوا على كل المسميات وألصقوها بأحيائهم الحديثة .. فعلوا كل ما عليهم فعله حتى تكون المدينة القديمة متحفاً يتباهون به عند زوارهم .. لكنهم نسوا أن نهضتهم الصناعية أقاموها على أنقاض ذلك الإنسان .. فلم يقيموا في زاوية من تلك الزوايا التراثية متحفاً للشمع يخلدون به ذكر من قُتلوا بالسموم عندما أفقدوا البحر عذريته ولوثوا الأرض والشجر والسماء .. عندما نشروا الوباء وحرموا الدواء .

بعد كل هذا أظن أن أبناء الينبعين ومعهم أبناء كل المدن التي تضررت بفوهات مصانعهم أصبحوا بحاجة ماسة لاستيعاب أن الحقوق لا تستجدى .. وإنما تنتزع بالقوة .. وأن عليهم التوقف فوراً عن الاسترحام و تصغير قضيتهم وحصرها في الموافقة على العلاج في مشفاهم طالما باستطاعتهم إثبات أنهم هم أسباب البلاء .

عليهم أن يسلحوا أنفسهم بالشواهد الحية .. بالوثائق والحجج والبراهين التي تدعم موقفهم وتمنحهم القدرة على عرض قضيتهم في كل المحافل الحقوقية للحصول على تعويضات السنين العجاف التي اغتالوا فيها فرحتهم بالبحر ومزقوا شباك صيدهم وجعلوهم فريسة .. فالمطالب لا تؤتى مودة بل تسترد حتى وإن كانت محكومة بعدالة قانون ” ساكسونيا ” الذي أستأسد على الظل وقتل الرعاع … ولازال للحديث بقية ..