أزمة حقيقية داخل الأسر رغم أنها لا تُشكل إلا 30 إلى 40% للقبول في كليات القمة
امتحانات الثانويةالعامة.. رهاب مزمن!!
نظام الدراسة في مجتمعاتنا يحتاج للمراجعة
د.ابراهيم بن حسن الخضير
نحن الآن على مقربةٍ من الامتحانات النهائية لمختلف المراحل الدراسية ولكن أهم من يواجهون قلق وخوف الامتحانات هم طلبة وطالبات الثانوية العامة. هذه المرحلة في حياة الطالب أصبحت مثل مفصل الطريق الذي منه تلتف حياة الطالب أو الطالبة في منحياتٍ متعددة تحدد مستقبلها التعليمي المستقبلي سواءً في الجامعات أو المعاهد العالية.
كان موضوع الامتحانات قبل عدة عقود أمراً عادياً، ولم يتحّول بعد إلى ما يُشبه الكارثة بالنسبة للعائلة وللطلبة والطالبات. كانت أمور القبول في الكليات العلمية المرموقة متوفرة لكل من يحصل على معّدلٍ معقول؛ ففي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي كان القبول في كلية الطب وطب الأنسان، سهلاً ميسوراً، فضلاً على كلية الصيدلة التي كان القبول فيها سهلاً للغاية، برغم أنه لم يكن سوى كلية طب واحدة في جامعة الرياض (جامعة الملك سعود حالياً) وكذا كليات الصيدلة وطب الأسنان.
كانت امتحانات الثانوية العامة في تلك الحقبة تمر على العائلات بكل هدوء، حتى الطلبة والطالبات كانوا يتقدمون للامتحانات بكل ثقة وهدوء، فلم يكن هناك صراع وأزمة في المنازل بسبب هذا الامتحان كما كان في بعض الدول العربية القريبة، حيث يكون امتحان الثانوية العامة كابوسا على الأسرة والطالب حتى ينتهي، وخلال هذه الفترة يعيش الطالب أو أسرته فترة عصيبة من التوتر والقلق، بل إن في بعض الدول العربية الشقيقة كانت مرحلة الثانوية العامة تؤدي إلى الإصابة بانهيارات عصبية واضطرابات نفسية بين الطلبة وكذا الأهل. بل إن بعض الطلبة والطالبات يُعانون من ضغوط نفسية قوية جداً مما قاد البعض إلى الانتحار أو محاولات الانتحار التي لم تتم برحمةٍ من الله.
بالتدريج تحوّل ذلك الوضع الذي كنّا نُراقبه في الدول العربية الشقيقة أثناء امتحانات الثانوية العامة إلى مجتمعاتنا، حيث أصبحت فترة امتحانات الثانوية العامة فترة عصيبة من حياة الأسرة والطالب أو الطالبة، نظراً لأن الأسرة والطالب أصبحوا ينتظرون نتائج الثانوية العامة والتي سوف تحدد مستقبله؛ أي القبول في الكلية التي يرغب فيها. حتى سنوات قليلةٍ مضت كان المعدّل في الثانوية العامة هو المعيار الذي تعتمد عليه الكليات في القبول في الجامعات والكليات العلمية المرموقة مثل كلية الطب وطب الأسنان والهندسة وغيرها من الكليات التي تواجه ضغوطاً في طلب الطلاب الالتحاق بها.
في تلك المرحلة تم تحوّل امتحان الثانوية العامة إلى أزمة نفسية للأسرة والطالب، وأصبح الطلاّب يعتمدون على المدرسين الخاصين، والحفظ ( الصم) بغية الحصول على أعلى درجات في الثانوية العامة. فقد أصبحت الأسر تنوء تحت ضغوط مادية كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار المدرسين الخاصين لطلاب مرحلة الثانوية العامة، وتم خلق سوق رائجة للمدرسين الخاصين، حتى أن بعض العمالة الوافدة والتي ليس لها علاقة بالتدريس أصبحت تقوم بالتدريس الخاص للطلبة تحت الحاجة الكبيرة والملحة للمدرسين الخاصين، وبالذات في مواد معينة مثل الكيمياء، الفيزياء، الرياضيات، اللغة الانجليزية وغيرها من المواد المقررة في الثانوية العامة. المهندسون أصبحوا يدّرسون الفيزياء والرياضيات وكذلك آخرون من أصحاب المهن الآخرى أصبحوا يدرّسون اللغة الانجليزية والكيمياء وكل من يعرف من العمالة الوافدة في أي مادة أصبح يُدرسّ دروساً خاصة لطلاب وطالبات الثانوية العامة. أصبح التدريس لطلاب الثانوية العامة ؛ موسماً للكسب والربح للمدرسين في المدارس العامة والخاصة للتدريس، وأصبح دخل بعض المدرسين في أشهر الامتحانات أكثر من دخله خلال العام كاملاً، خاصةً من مدرسي المدارس الخاصة الذين يعتمدون بشكلٍ مباشر على دخولهم من الدروس الخاصة، نظراً لانخفاض مرتبات المدرسين في المدارس الخاصة.
نظام القبول
الآن بعد تغّير نظام القبول في ما يُعرف بكليات القمة مثل كلية الطب، طب الاسنان وبقية الكليات المرموقة، أصبحت أمتحانات الثانوية العامة لا تُشكل إلا نسبة ما بين 30 إلى 40% للقبول في هذه الكليات، وبرغم كل هذا إلا أن أزمة أمتحانات الثانوية العامة أصبحت تُشكّل ضغوطاً نفسية على الطلاب والطالبات وعائلاتهم.
أصبحت امتحانات الثانوية العامة تُشكّل أزمة حقيقية داخل الأسر والعائلات حتى وفق الأنظمة الجديدة التي لا تُعطي للمعدّل فيها ما كان يُعطى في السابق بالنسبة للالتحاق بالكليات العلمية كالطب وطب الأسنان وغيرها من الكليات التي يتطّلب الدخول إليها أكثر من امتحان للقدرات والمقابلة الشخصية، بالرغم من ذلك فإن مأزق الامتحانات في شهادة الثانوية العامة لايزال موجوداً، حتى وإن كان الامتحان من نفس المدرسة. لقد جعلت التعديلات الأخيرة على نظام الثانوية العامة الطلبة يحصلون على معدلات عالية جداً، فقد تجد عدد لا بأس به مثلاً يحصلون على النسبة كاملة 100%، وهذا رغم صعوبة تخيلهّ إلا أنه في السنوات الأخيرة بدأ يكثر عدد الطلبة والطالبات الذين يحصلون على النسبة كاملة، وبالتالي ارتفع مستوى التحدي الذي يواجه الطلبة بالنسبة للقبول في الجامعات، وبرغم ازدياد عدد الجامعات في المملكة وتضاعفها عدة مرات في السنوات الأخيرة إلا أن نسبة السكاّن في المملكة التي يُشكل عدد صغار السن دون الخامسة عشرة أكثر من 50% يجعل تضاعف الصعوبة بالنسبة للطلبة والطالبات للالتحاق بالكليات التي يرغبونها، وكذلك صعوبة الحصول على وظائف بعد التخرّج من الجامعة، حتى بالنسبة للكليات التي كانت في السابق هناك سهولة في حصول خريجيها على وظائف مثل كلية الهندسة والعلوم.
عقدة التفّوق
المشكلة التي تُرافق الطالب في الضغوط النفسية أثناء مرحلة الثانوية العامة، غالباً ما تُشكّل مرحلةٍ نفسية مُرتبطة بعقدة التفّوق والحصول على معدلٍ عالٍ في الدراسة، وهذا يضع الطالب أو الطالبة تحت ضغوط نفسية قد لا يحتملها بعض الطلبة، وتحصل عملية ربطية بين الدراسة والحالة النفسية، وعندما يلتحق الطالب بالجامعة يظل هذا الشعور مرافقاً له، خاصةً إذا كانت الكلية التي التحق بها صعبة وتحتاج إلى مجهود دراسي كبير، نظراً للنقلة التي حصلت في حياة الطالب. لذا نجد هناك حالات الخروج من الجامعة لدى بعض الطلبة الذين كانوا متفوقين في المرحلة الثانوية وانسحابهم من الدراسة وربما انسحابهم من الحياة العامة بشكلٍ ملحوظ في بعض الحالات التي قد تكون مُصاحبة للاكتئاب.
يحتاج للمراجعة
نظام الدراسة في مجتمعاتنا يحتاج للمراجعة، خاصة في كيفية تقييم طلاب المرحلة الثانوية والدخول للجامعة وللكليات بشكلٍ عام، والكليات التي تحتاج لتقييم خاص، والبعد عن الضغوط النفسية التي تُسببها هذه الامتحانات والمقابلات، والتي تؤثر أحياناً بشكلٍ سلبي على سير دراسة الطالب في الجامعة، وربما أسهمت في فشله في الدراسة وقادته إلى أضطرابات نفسية تُصبح معُوّقة لكي يُكمل دراسته.
مرّ عليّ خلال عملي شباب، أتموّا الدراسة الثانوية بتفوقٍ وعندما التحقوا بكليات علمية مهمة مثل الطب لم يستطيعوا السير في هذه الدراسة، بل إن طالباً حصل على النسبة كاملةً 100%، ولم يستطع السير في كلية الطب من أول الطريق، وبالطبع لجأ الأهل إلى المعالجين الشعبيين حيث ظنوّا أن به عينا أو مسا، وتم تحويله إلى كليات آخرى ولكنه لم يستطع أن يسير في أي من هذه الكليات وحقيقة الأمر انه مع الضغوط النفسية على هذا الطالب والقابلية له للإصابة بمرض الفصام.. ترسّبت هذه الضغوط النفسية بمرض الفُصام عند هذا الطالب المتفوق. كونه متفوقاً في المرحلة الثانوية تحت ضغوط نفسية أدت إلى انهياره في المرحلة الجامعية. يجب عدم الضغط وتحميل الضغوط النفسية للطلاب والطالبات في امتحانات الثانوية العامة حتى لا يتأثروا في مرحلةٍ تابعة من حياتهم العلمية والعملية.
المفضلات