أديب الأيام
خلف أحمد عاشور سبيه
منصف الأحياء والموتى



عندما أتذكر الأديب خلف عاشور سبيه تستدعي الذاكرة أمير الشعراء أحمد شوقي حين رثائه لشاعر العربية الكبير حافظ إبراهيم عندما قال

قد كنت أوثر أن تقول رثائي *** يا منصف الموتى من الأحياء

مشيدا بوقفة الشاعر الصادقة مع من طواهم الموت وتصديه للدفاع عنهم والذود عن حقوقهم إلى الدرجة التي تمنى فيها أن تكون وفاته قبله ليحظى منه بالإنصاف الذي عرف عنه

هذا الإنصاف الذي أِشار إليه أمير الشعراء في شخصية شاعر العربية أجد فيه شبها كبيرا بالرجل العظيم خلف أحمد عاشور يدفعني للإعجاب بشخصيته في إنصافه للأحياء والأموات من أبناء مدينته ينبع التي عشقها حتى النخاع وأصبح حديثه عنها هو الشغل الشاغل لرجل له من المشاغل العظيمة ما يلهيه عن كل شاغل .. ولكن الوفاء والإخلاص والحب الذي يكتنزه الرجل لينبع وأهلها يدفعه لأن يكون الأول في كل أمر يخصها بدءا من اشتراكه في تمثيلها في أربعة وفود للملك عبد العزيز طيب الله ثراه إلى إلقائه كلمة الأهالي في زيارة الملك سعود لينبع إلى مشاركته في النشاط الرياضي بتأسيسه أول فريق لكرة القدم فريق رضوى ( القديم) لشباب ينبع وليس آخرها تأليفه ثلاثة كتب قيمة تتحدث في جلها عن ينبع عارضا أخبارها ومشيدا بتاريخها وتاريخ أهل ينبع أحياء وأمواتا عارضا مناقبهم ومذكرا بسيرتهم

كان أول الكتب الثلاثة ( أيام وأيام ) لبعض صور اختزنتها الذاكرة في مراحل العمر الذي ولى ـ كما يقول ـ فيها بعض الصور من البلد الذي به ولدت هناك بين الخليجين قريبا من رضوى الأشم تحفل بمراحل العمر الأولى

ثم جاء الكتاب الثاني ( ما لم تقله الأيام ) وكأنه استدراك على بعض ما تركه الكتاب الأول وتظهر فيه صفة الإنصاف التي ذكرناها آنفا في قوله في مقدمته
أما ماتم وضعه من رثائيات لبعض الأحبة الذين رحلوا عن هذه الحياة واستقرت أجسادهم تحت الثرى فليس ذلك من قبيل رصد مشاعر خاصة أحسب أنها تعبر عن بعض الوفاء لبعض من رحل لأن الكثير دأبوا على نسيان الذين مضوا ورحلوا عن هذه الحياة حتى لو كان للكثير من هؤلاء الأحبة بصمات من الخير وجوانب من أعمال سوف تظل محل اعتزاز وحب وإكبار قد لا يحس بها الكثير
كما أنه سجل في هذا الكتاب نماذج من الأدب الرفيع لأبناء ينبع (شعر الكسرة ) وجعل له منه حظا وافرا

وخاتمة الكتب الثلاثة ( ما استبقته الأيام ) ممن بقوا في الذاكرة أنصف فيه أمواتا أدوا خدمات جليلة ولكن الأضواء لم تسلط عليهم لسبب أو لآخر كما جاء فيه ذكر أناس لم يكونوا في الواجهة ولكن كانت لهم أعمال غير مرئية بعض منهم فقراء ولكن كانوا يعيشون في سعادة مما غمرهم الله من قناعة وإيمان قوي

هذه الكتب الثلاثة التي تدور في فلك الأيام حلوها ومرها بما يحق لنا معه أن نطلق عليه لقب ( أديب الأيام ) بلا منازع هي في حقيقتها أسفار خالدة تحمل الحب لينبع وأهلها إضافة لما تحمله من حب لأماكن أخرى من ربوع بلادنا العزيزة كان له فيها مقام وذكريات

أما في مجالسه الخاصة فإن ذكر ينبع لا يفارق لسانه أبدا ويكاد ميناء ينبع وإعادته إلى العصر الذي كان يذكره عليه يشكل له هاجسا كبيرا لا يخلو له حديث حوله ولا يجمعه مجلس بأصحاب الشأن إلا كان حديثه عن ينبع سابقا لحديثه عما هو بصدده

وهو أيضا لم ينقطع عن ينبع وأهلها ومناسباتها ولقاءاتها بل أنه اتخذ له دارا تطل على شاطئ الشرم في ينبع يتقاطر عليه محبوه كلما زارها يأنسون بحديثه ويستأنسون بآرائه يكون فيها مضيفا لا ضيفا حتى لا يثقل على أحد من محبيه وإنك لتعجب من أمر هذا الرجل كيف يخص كل زائر له بجزء من وقته واهتمامه دون أن يشغله أحد عن أحد أو يستأثر به قريب عن غريب .

هذا هو الحب الذي يدفعنا لأن نحبه فنحن مدينون لكل من يحب ينبع ويسعى لرفعتها ولمن يخصها بشئ من اهتماماته فما بالك بمن هي كل اهتماماته
أسأل الله تعالى أن يجزيه خير الجزاء
وأن يوفقه لما يحب ويرضى
وأدعو جميع أبناء بلدي إلى اقتناء كتبه الثلاثة ففيها كل الفائدة والمتعة التي تعود على مقتنيها بالنفع وهي أقل ما يجب علينا من الوفاء والإخلاص ومبادلة المحب لينبع حبا بحب ووفاء بوفاء
والله الهادي إلى سواء السبيل