لغز الساعة العاشرة ... قذائف الهاون تدك معاقل التعليم


قذائف الهاون من الأسلحة التي يصح أن يقال عنها أنها غبية وتوصف أحياناً بأنها سلاح الفقراء وغالباً ما تستخدم من المتمردين على الجيوش النظامية ومن يقاتلون بطريقة الكر والفر أو حرب العصابات وهذه القذائف لا يمكن بواسطتها استهداف شخص بعينه أو حتى مجموعة بعينها وإنما ترسل بإحداثيات محددة بحيث يرجح عند مستخدمها أن فاعليتها ستكون في موقع لا تقل مساحته عن عشرون متراً ويكون تأثيرها القوي جداً في حالة الفوضى التي تتركها وحالة الهرج والمرج والهلع وعدم الاستقرار والإرباك الشديد الذي يرافقها وأكثر ما يخيف منها هو عدم القدرة على التصدي لها بعد إطلاقها وبذلك تصبح الأماكن المستهدفة بمثل هذا النوع من الأسلحة غير صالحة للسكنى أو للعمل ويصبح الكل عُرضى للقتل حال تصادف وجودهم في المواقع المستهدفة وليس هناك من حل سوى القبض على مطلقي هذه القذائف وإيقافها أو التعود على العيش في هذه الفوضى والترحم على من يقتل ومعالجة من يصاب !!
يبدو أنني بدأتُ أشطح كثيراً فما علاقة قذائف الهاون بالتعليم وهل مدارسنا مهددة بمثل هذا النوع من الأسلحة ؟!
قد تستغربون عندما أذكر لكم أن بعض مدارسنا تتعرض لنفس تأثيرات هذه القذائف يومياً في الساعة العاشرة وإذا كنتم غير مصدقين فما عليكم إلا الذهاب إلى أي مدرسة في هذا التوقيت لتروا حالة الهرج والمرج والفوضى الشديدة وقد يتصادف مع مجيئكم وجود إصابات بين الطلاب أو المعلمين ، لقد رأيت أنا هذه الفوضى وهممت بالهرب لولا أنني تذكرت أننا لسنا في حالة حرب وأن مدارسنا ليست عرضة لمثل هذا النوع من الأسلحة .
كنت أتحدث مع صديقٌ لي واصفاً مشاهداتي في بعض المدارس التي زرتها في هذا التوقيت فأخذ يحدثني عن أنماط الإدارة ذاكراً لي أن هناك ثلاث أنماط من الإدارة هي التسلطية ( الدكتاتورية ) والعشوائية ( التسيبية ) وأخيراً التشاورية ( الديمقراطية ) وأخبرني أن هذه المشاهدات غالباً ما تحدث في نمط الإدارة الدكتاتورية عند غياب المدير أو القائد وانتقل بي إلى بغداد واصفاً حالة الفوضى الشديدة جداً التي رافقت غياب القائد مستنتجاً بأنه ينتمي لهذه الإدارة الدكتاتورية .
لم أستطع أن أكمل حديثي مع هذا الصديق لأنني تيقنت بأنه يهذي فما علاقة هذه المعلومات السطحية التي ذكرها بما يحدث في الساعة العاشرة في قلاعنا التعليمية ولكن تذكرت أنه في كل الحالات التي صادفتها لم أجد المدير كي أستفسر منه عن سر هذه الفوضى العارمة ، آه00 ربما أراد صديقي أن يوحي لي بأن السر في غياب مدير المدرسة , وليس في الساعة العاشرة !!
ولكن هذه الفوضى تحدث أيضاً عندما تكون الإدارة تسيبية والفرق أن القائد في هذه الإدارة يكون شاهداً عليها ويستمر حدوثها طوال الوقت .
لا أستطيع أن أركز ولكني سأحاول أن أقوم بعملية ربط بسيطة كي أصل إلى السر الخفي , فالإدارة الدكتاتورية تعني حكم الفرد الواحد المتسلط والذي يمسك بزمام الأمور كلها بيده ولا يشرك معه أحد في ذلك وبالفعل فإن غياب القائد من هذا النوع لابد أن يحدث حالة إرباك لأن جميع الصلاحيات معه هو ، ولا يملك غيره سلطة اتخاذ القرار . بالإضافة إلى غياب روح الجماعة والانتماء لدى الجميع فكل فرد له دور محدد يقوم به وليس له أي علاقة بالإنتاجية أو إنجاح العمل ولا يهمه سوى إنجاز ما يوكل إليه ، وتكون الإدارة من هذا النوع سيفاً مسلطاً على رقاب الجميع وبالتالي فالكل يسعى لأن يقوم بأي حركة فوضوية في حال غياب القائد للتنفيس عن نفسه والتحرر من هذه القيود القوية .
أما الإدارة التسيبية فهذه تتيح للجميع أن يتصرف وفق هواه وما يمليه عليه ضميره وفي مجتمعاتنا المتخلفة لا تستطيع أن تركن على هذا الموضوع كثيراً فنحن نمثل قطيع من البشر وننفذ سياسة القطيع بحيث لا يمكن أن نتقيد بالأنظمة بدون وجود قائد وموجه حازم يسوسنا إلى حيث يشاء، وعندما يوجد مثل هذا الشخص فنحن لا نشترط فيه أي شرط ونرضى بأن يقودنا حتى إلى حتفنا
أما الإدارة الديمقراطية أو التشاورية كما يحلو لي تسميتها والتي قطعاً لا أعني بها ديمقراطية أمريكا التي تلوح بها لاحتلال الشعوب وامتهان كرامتهم وسرقة أموالهم ولا ديمقراطية الغرب الأوروبي التي تقرر أن الشعب هو الذي يختار من يحكم وهو الذي يسن القوانين وباختصار هو الفيصل في كل شاردة وواردة أي أنه حكم بغير ما أنزل الله ، ولا أظنني بحاجة لأن أخبركم أنني لا أعني بها الديمقراطية الشوارعية أسف أقصد العربية والتي تستخدم لتكريس حكم الفرد والمعروفة نتائجها سلفاً 99.9% للقائد البطل !!
كل هذه الديمقراطيات لا تعنيني وأعتقد أنه لا تعنيكم لذا فلن أثقل عليكم بالخوض فيها أكثر من ذلك فنحن لسنا أهل ٌ للتحدث في هيك أمور ( اسلم تسلم ) ، ولنعد للديمقراطية كنمط إدارة عنوانه ومضمونه المشاركة من الجميع في القيادة بحيث يشعر كل منتمي لهذه المنظومة أنه هو القائد وأن هذه المنشأة تعني له الشيء الكثير ، من خلال مبدأ الشورى ، وفي هذا النمط من الإدارة يشترط في القائد أن يكون مؤهلاً تأهيلاً يتوافق مع متطلبات القيادة وأن يكون قائداً بالفطرة ( له تلك الشخصية القيادية المعروفة ) وبعد ذلك يجب أن يكون قدوة حسنة يبدأ بتطبيق جميع الأنظمة على نفسه أولاً قبل أن يطلب من مرؤوسيه التقيد بها وأن يكون عادلاً في حكمه .
هنا لن تشعر بالفرق إذا غاب هذا القائد أو حضر ولن ترى الفوضى التي رأيتها ، ولن تحتاج إلى النظر في ساعتك للتأكد هل هي الآن العاشرة صباحاً ؟!
بقي أن نذكر أن هناك آفة بليت بها أنماط الإدارة المختلفة في مجتمعنا حتى كادت أن تكون نمط إدارة مستقل وهي ما يعرف بـ ( علوم القبائل ) أو العشائرية وفيها يتدخل العرف القبلي في صميم العمل فيقدم شخصٌ ما أو يؤخر حسب انتمائه القبلي ومنهم من يطبق بعض المبادئ العشائرية الرائعة مثل الكرم والشهامة في المكان غير المناسب فيتنازل عن الإخلال بالعمل بحجة ليس من الشهامة التسبب في أذى فلان من الناس وتسبب كل ذلك في انتشار ما يعرف بالواسطة وهذه تستحق إفرادها بموضوع مستقل لعلنا نعرج عليه قريباً .
أعتقد أنني قد أطلت عليكم كثيراً ويبدو أنني قد نسيت ، ما علاقة موضوعنا بأنماط الإدارة ؟!!
والأكيد أن محاولتي قد بآت بالفشل ولم أصل لحل لغز الساعة العاشرة .

ولكن قد يكون شيء مما أردت طرحه قد وصل .
بانتظار إسهاماتكم لحل هذا اللغز
وحتى ذلك الحين ... أرجو أن تسامحونا0