تقع مدينة قرطبة على سفح جبل العروس من جبال (( سيرامورينا )) أو الجبال السوداء في جنوب اسبانيا اليوم في إقليم الأندلس , وتحتل سهلاً فسيحاً يقع بين هذه الجبال والوادي الكبير , الوادي الذي يزرع فيه الزيتون ومختلف أنواع الثمار والأشجار , مناخها حار صيفاً , بارد شتاءً.

ومدينة قرطبة التي ذاع اسمها في العصور الوسطى في عهد العرب والمسلمين وأصبح يقرن بالقسطنطينية العظمى , مدينة قديمة البناء , أصلها أيبيري ثم دخلت في فلك الإمبراطورية الرومانية حتى نجح القوط في الاستيلاء عليها سنة 568م وجعلوها مركزاً أسقفياً ثم أخذت قرطبة تفقد شيئاً فشيئاً من أهميتها أمام طليطلة التي تفوقت عليها منذ أواخر القرن السابع حتى طليعة القرن الثامن الميلادي عندما افتتحها المسلمون سنة 712م ـ 94 هـ والذي افتتحها هو مغيث الرومي على فرقة من جيش طارق بن زياد في عهد الوليد بن عبد الملك .

بعد مقتل عبدا لعزيز بن موسى بن نصير الذي كان والياً على الأندلس من قبل والده والذي كان يتخذ من أشبيلية عاصمة له , اجتمع الجند على أيوب بن حبيب اللخمي ابن أخت موسى بن نصير , وأول ما فعله أيوب أن نقل العاصمة إلى قرطبة .


كان المسلمون إذ فتحوا قرطبة , وجدوا بها آثار قنطرة فوق نهرها قد هدمها مدود النهر على مر الأزمان , أعاد بنائها السمح بن مالك الخولاني والي الأندلس بأحجارٍ من سور المدينة المهدم بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز.

بلغ سكان قرطبة في أزهى عصورها , في عصر الخليفة عبد الرحمن الناصر نحو نصف مليون نسمة وفقاً للإحصائيات التي قام بها المستشرقون.

كانت قرطبة عاصمة للثقافة أيضاً , يرتادها العلماء والأدباء والشعراء وقد قيل انه عندما يموت عالم في إشبيليه تجلب كتبه ومؤلفاته لتباع في قرطبة .

جامع قرطبة

أما جامع قرطبة العظيم الذي اشتهرت به حاضرة الأندلس فيعد من الوجهة الفنية أعظم وأروع أمثلة العمارة الإسلامية في العصور الوسطى , كما يعد من الوجهة العلمية أكبر جامعة إسلامية تدرس فيها علوم الدين واللغة ويفد إليها طلاب المسلمين والمسيحيين على السواء للدرس والتحصيل.



ولقد وصفه مؤرخو العرب وصفاً رائعاً, وأبرزوا عمارته, وصوروه بقدر ما أمكنتهم بلاغتهم التعبير عنه.








قام بتأسيس جامع قرطبة عبد الرحمن الداخل سنة 169 هـ وأتمه في عام واحد وقد كان الداخل معمارياً جليلاً ومهندساً بارعاً , حيث رتب أعمدته الكثيرة بطريقة فريدة مما جعل قلب الجامع يبدو وكأنه غابة من النخيل.






توالت التوسعات على جامع قرطبة على مر العصور , فقد زاد فيه عبد الرحمن الأوسط ثم زاد فيه عبد الرحمن الناصر ثم زاد فيه الحكم المستنصر وكانت الزيادة الأخيرة على يدي المنصور بن أبي عامر , وبها اكتملت لجامع قرطبة صورته الأخيرة.

العجيب في جامع قرطبة أن قبلته تنحرف إلى جهة الجنوب إلى يومنا هذا فقد حددها حنش بن عبد الله الصنعاني وأبا عبد الرحمن الحبلى التابعين اعتمادا على قبلة أهل الشام التي تتجه إلى الجنوب , ولم تتغير القبلة في كل الزيادات مع تعديلها في المساجد المحدثة في ذلك الوقت , ذلك أنهم رأوا أنه صلى لهذه القبلة خيار الأمة من قبلهم فقرروا اقتفاء أثرهم تأسياً بهم.







قبة المحراب

فلما سقطت قرطبة عام 1236م - 633 هـ تحول الجامع إلى كاتدرائية , فلا حول ولا قوة إلا بالله , وهدم جزء من إضافة عبد الرحمن الأوسط وإضافة المنصور عام 1523م وأقيم مكانهما كنيسة وتقع في قلب الجامع تماماً وهي التي عبّر عنها شارلكان بقوله : (( لو كنت قد علمت بما وصل إليه ذلك لما كنت قد سمحت بأن يمس البناء القديم , لأن ما بنيتموه موجود في كل مكان , وما هدمتموه فريد في العالم أجمع )) وهذه العبارة يعترف بها الأسبان إلى يومنا هذا.