تقول العرب- بئس الشعار الحسد، والحسد، وان كان طبيعة بشرية، إلا أن درجة شدته تختلف من مجتمع لآخر، إذ لا يخلو الرجل من ودود يمدح وحقود يقدح على مر التاريخ، وفي المجتمع العربي، كان ولا يزال الحسد حاضرا بشكل لافت في ثنايا المذاهب، وأدبيات التاريخ، وهو ما أفضى إلى كثير من السلوكيات الشاذة في المجتمع العربي بدءاً من الحروب الطاحنة وانتهاء بالتنافر الاجتماعي الحاد، حتى أصبح ثناء الناس على بعضهم البعض، والإشادة فيما بينهم خصلة نادرة لدى الفئات المصابة بهذا الداء، بل باتت الاستعانة بالآخرين من المتميزين والمتخصصين الذين يحتاجهم الوطن والأمة، للعمل في المواقع العامة تصطدم بهذه الآفة، إذ يصعب على بعضهم إفساح المكان-الرحب- لشركائهم في الوطن والمستقبل، حتى وان كان لمصلحة عامة، اذ تظل أهواء بعضهم الأكثر تأثيرا في سياسة (الإدناء والإبعاد) فيحدث الانكفاء والتنافر ومن ثم الانقسام والصراع.
وفي أدبيات الحسد، قيل لبعضهم «ما بال فلان يبغضك، قال لأنه شقيقي في النسب، وجاري في البلد، وشريكي في الصناعة» بمعنى انه لخص كافة دواعي الحسد (اجتماعيا، وإقليميا، ومهنيا) والحسد، تشعب في العصر الحديث وتنوع، فأصبح هناك الحسد السياسي، والحسد التجاري، والحسد الفني، والحسد الإداري، وحتى الحسد الإعلامي، وبات الاصطفاف أحيانا بين التوجهات الإعلامية اوالتيارات الثقافية، او حتى بين المتناظرين فكريا متأثرا بمعادلة الحاسد والمحسود،فالحاسد مغتاظ على من لا ذنب له، مع أن الاختلاف والتباين من طبيعة الأشياء يقول مالك بن دينار (شهادة القراء مقبولة في كل شيء، إلا شهادة بعضهم على بعض، فإنهم أشد تحاسدا من التيوس).
وفي المقابل-حضاريا- نجد ان هذه الظاهرة خافته جدا في المجتمعات المتقدمة، التي تتمتع بصحة نفسية واجتماعية رفيعتين، فيتحول الصراع إلى تعاون، والحسد إلى غبطة، والذم إلى ثناء، وتسيطر روح الجماعة على روح الفرد، وتضمحل الأنا المتضخمة (عربياً) لتنصهر(وطنيا) فتتآلف العقول والقلوب، وتتوحد مكونات المجتمع، بعيدا عن الانطباعات المسبقة، والمواقف المعلبة، وعداوة الحسد الأزلية.... قيل لعبدالله بن عروة، لما لزمت البدو وتركت قومك، فقال: وهل بقي إلا حاسد على نعمة، أو شامت على نكبة!
المفضلات