الآثـار رافــد من أهـم روافــد السياحـة ،، ورقة عمل لرئيس اللجنة
ورقـة عمل قـدمـها الأستاذ / عواد محمود الصبحي
رئيس لجنة أصدقاء التراث في محافظة يـنبع
أثناء انعقاد المنتدى السياحي الأول الذي استضافته الغرفة التجارية بيــنبع بتاريخ 14 /4 /1425هـ
أيها الإخـوة الأعـزاء :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعــد :
من واقع مسؤوليـتـنا الوطنية باعتبارنا نتحدث باسم لجنة أصقاء التراث في محافظة ينــبع كان من المفترض أن نتـقدم بورقة عمل أشمل من هذه الورقة عن تـراث يــنبع ولما لم تتحقق لنا هذه الرغبة ولم يسعفنا الوقت حاولنا التشرف بمخاطبتكم على عجل بهذه الورقة المتواضعة وأنتم نخبة السياحة وعمـادها ؛؛ لكي نلمح لكم تلميحا مختصرا جدا عن تجربتنا في تأسيس لجنة أصدقاء التراث في ينــبع ؛ هذه اللجنة التي أسسناها منذ أكثر من سنتين باجتهاد شخصي وبرغبة أكيدة لخدمة جانب مهم ألا وهو التراث كـرافـد من أهم روافد السياحة ..
كما نبدي لكم شيئا من هواجسنا تجاه التراث عامة وهمومـه التي يعرفها الكثير من المهتمين والمتابعين لهذا الموضوع .
وأحب الدخول في الموضوع مباشرة حرصا على وقتكم ولاستغلال الوقت الممنوح لنا ولنـبدأ بهذا السؤال
أين نصيب الآثار في منظومة السياحة واستراتيجيتها ..؟؟
ونقول للأسـف حتى أوراق العمل التي سمعناها وقرأنا عناوينها كلها لم تتعرض لموضوع التراث لا من قريب ولا من بعيد وكأن جحا قد انصرف حتى عن لحم ثـوره..
أما ربـط الآثار بالسياحة فهو أمر طبيعي جدا.. ولكن ربطها كتخطيط وبرامج بعيدة المدى ، تعتمـد على المراحل الزمنية ، والدراسات العلمية ، والبحوث والتقارير الدورية ..هذا الربط وبهذه الطريقة لا يجدي نفـعا ولا يخدم إرثـا ...لماذا ؟؟
لأنه سوف تــنقرض المعالم الأثرية ، وتتهدم البيوت التراثية ، وتُـزال الشواهد ، وتنطمس المواقع ، وتنتـهي الحرف اليدويـة، ويموت كبار السن ، وتنقضي حقبة من الزمن ونحن لم ننته بعد من هذه الدراسات والتخطيطات ..
أيها الأساتذة الأفاضل :
اليوم الذي يمر من عمـر التراث لن يعوض أبدا ، والحجرة التي تسقط من مكانها لن تعود بهذه الطريقة ، والبناء الذي ينهدم سقـفـه لا أحد يعرف كيف يعيده كما كان ، والصهريج الذي يصبح مرمى للنفايات سوف يزال في يوم من الأيام ، والقلعة أو الحصن أو القصر الذي أصبح ملاذا للكلاب والقطط والفئران سوف تشكل له لجنة لهدمه ورفع الضـرر عن الشاكين ... والأمثلة كثيرة نـراها رأي العين في كل أنحاء المملكة
إخـواني أيها الأساتذة الأجـلاء : أنتم أصحاب الخبرة والتجارب ، طفتم المناطق ، وزرتم المدن والمحافظات ، ورأيتم أو سمعتم الكثير من الأفكار الهادفة البنـاءة ، فـلا تبخلوا على من يهمه الأمر برأي سديد ، أو مشورة وقول مفيـد ، يقولون في الأمثال :
( إذا صـدئ الرأي صقلـته المشورة) فكل أوضاع التراث تحتاج لرأي المتخصصين ، ونصيحةِ المخلصين .. حتى من غير أن يـُطلب منكم ذلك .. وإلا ما فائدة هذه الندوات واللقـاءات وأوراق العمل إذا لم يتبعها قول حكيم ، ورأي سليم . وهذا ما أعتقد أنه سيكون ..
لكـن في عالم الآثـار يجب أن نـزيل من أفهامنا كل مقولة تدعو إلى التريث وعـدم العجلة ... والذي يـردد من قـلة حيلته :
( من تـانى نال ماتمنى ) ــ ( مـن سـابق الدهـر عثـر) ــ ( ومن غـالب الأيـام غـُلـب)
( وكل مطـرود ملحـوق ) .....
هذه الأقوال نــرد عليها بمثلها :
على الرغم من أنها أمثـال تمثل جزءا من تراثنا ولكنها لا تناسب المقام فلابـد من إنجاز الأمر ففي مجال الآثار نرفض التواني ، وطولة البال والتسويف ..
ونرد على الأمثـال السابقة بمثلها :
( إذا كويت فأنضج) ــ وإذا ضربت فأوجـع ــ وإذا زجرت فأسمع )..
فمـن يستيقظ متأخـرا سيظل يركض طوال اليـوم ..
وهذه الأمثال المتضادة تـدل على تنوع الثقافات وعلى قبول الرأي الآخر لكن ليس بالضرورة أن نأخذ إلا بما نـراه يخدم مصالحنا ويحقق أهـدافنا .
أيها الأعـزاء :
زارنا في ينـبع بعض المسؤولين عن السياحة والآثار من دكاترة ومهندسين وأساتذة وخبراء أيضا واطلعوا على تجربتنا في لجنة أصدقاء التراث وأثـنوا عليها واستحسنوا فكرتها .. لأننا فتحنا آفاقا واسعة للعناية بالآثـار والمحافظة عليها ونشر الوعي التراثي بين أفراد المجتمع ــ إن صح التعبيرــ
ــ أسسنا هذه اللجنة من خمسة أفراد متطوعين هدفهم الأول والأخير خدمة الآثار ورعايتها بما يستطيعون من إمكانيات وبالتعاون مع من يحذو حذوهم من مسؤولين ومواطنين :
ــ اجتمعنا بكل المسؤولين ورؤساء الإدارات الحكومية والأهلية وعرفناهم بمهمتنا وأهدافنا .
ــ وضعنا خطة عمل من خمسة عشر بندا بعضها قابل للتنفيذ ولدينا خطط بعيدة المدي كإنشاء المتاحف الوطنية أو الشخصية وخطط أخرى جاهزة لكنها على الورق فقط لعدم وجود الدعم المادي .
ــ أجرينا لقاءات مع كبار السن توثيقا لأمور معينة بما يعرف بالتاريخ الشفهي في هذا المجال .
ــ وقفنا على عيون وأطلال ينـبع النخل والعيص وقلاعها وما تحتويه من آثار وهي مواقع تستحق الزيارة لو أن برنامجكم يسمح بذلك .
ــ زرنا بعض المواقع والمعالم خارج ينـبع لاستطلاع أهميتها وتسجيلها .
ــ شجعنا عددا من المواطنين وجلسنا معهم جلسات خاصة فاستجاب بعضهم ورمموا بيوتهم القديمة وسنضعهم في لوائح الشرف مستقبلا .
ــ شجعنا أصحاب الحرف اليدوية والمهن القديمة وكرمنا بعضهم بجهود ذاتية .
ــ استقبلنا عددا من الوفود الرسمية والأجنبية والمستشارين وطـلاب المدارس من خارج يـنـبع واصطحبناهم في جولة سياحية وتراثية . فكانت انطباعاتهم جميعا مشجعة جدا .
ــ دعونا مراسلي الصحف وأصحاب مواقع الإنترنت للمشاركة في هذه الجهود لإبراز الواجهة التراثية ليــنبع .
ــ قمنا بترميم أحد المنازل القديمة كتجربة ناجحة بالتعاون والدعم من بلدية يـنبع وسوف تشاهدونه في جولتكم إن شاء الله يوم الخميس عصرا .
ــ أنشأنا موقعا مؤقتا على الإنترنت باسم لجنة أصدقاء التراث لنشر الوعي وجذب المتعاونين والتعريف بتراث يــنبع وأهميته ..
ــ أشرفنا على احتفال عيد الفطر الماضي وحولنا وجهته ليخدم التراث بسباقات المراكب البحرية القديمة والألعاب الشعبية الينبعاوية وكان حفلا ناجحا مميزا بفضل الله .
ــ وقعنا عدة اتفاقيات مع ورثة الدور القديمة تمهيدا لترميمها في حالة توفر الدعم المالي .
ــ أصدرنا عددا من المنشورات والمطبوعات والتقارير المصورة للتعريف بنشاط اللجنة وعملها خلال الفترة الماضية .
كل هذه الجهود وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره قمنا بها على مدار سنتين هي جهود تطوعية ولكننا نفتقد للجهود الرسمية والمؤسساتية لدعم موقفنا وتأسيس قاعدة صلبة نستطيع الوقوف عليها أو الإنضواء تحت مظلتها ..
وأنا هنا لا أوجه اللوم لأحد بعينه فكلنا مسؤولون ومقصرون في حق التراث ، ونعرف حقيقة الآثار ومدى ما لحق بها من إهمال وتراكمات طوال سنوات كثيرة مضت.. ولكن الأمل في الهيئة العليا للسياحة والآثار التي استلمت هذا الأمر مؤخرا وبوادر ذلك يبشر بالخير إن شاء الله على الرغم من عظم المسؤولية وحجم التركـة .
أعـزائي :
منطقة يـنبع غنية جدا بتراثها العمراني ، وفنونها الشعبية والبحرية ، وتراثها الشعري والثقافي ، وأهازيجها ورقاصاتها ، وكل أنواع الألعاب وفيها ثقافات شعبية متنوعة وثرية ، والمحافظة على هذا الإرث هو من باب استرجاع التجارب الإنسانية والاستمتاع بها، إضافة إلى الاستفادة منها ، والاندماج في مضامينها الإيجابية .. وهذا من باب التفاعل الاجتماعي وتواصل الأجيال .. فإن لم نستغل هذا التراث في تنشيط السياحة فقد فرطنا في رافد مهم جدا وهو متوفر بين أيدينا ولكن لا توجد آلية أو جهة لديها الاستعداد لاستغلال هذه المقومات وتجييرها لصالح السياحة الوطنية .
كلمة أخيرة أختم بها ..
صـدقوني بأن مشكلتنا الرئيسة في التراث بكل صدق تكمن في ثلاثة محاور رئيسة :
أولها : أننا مصرون على أن تنمية الآثار لابد أنى تأتي عن طريق فرص استثمارية وهذا الأمر شبه مستحيل لأن الفرص في مجال الآ ثار قليلة جدا ولا تكاد تذكر إذا ما قيست بالفرص في المجال السياحي . وهذا موضوع طويل له تفاصيل وأمثلة لا يتسع المجال لسردها لأنه من المستبعد جدا أن تجد أحدا يرمم لك قلعة أو منزلا قديما بدون فائدة أو مردود مادي .
المحـور الثاني : هناك تقصير واضح في اعتماد مخصصات مالية لرعاية الآثـار وهذا ناشئ بسبب عــدم التـوازن ، وعدم معرفة المفاضلة بين المهم والأهم فالجهات المعنية في وزارة المالية أو غيرها لديها استعداد لاعتماد مشروع لا نـراه في رأينا مهما، أو تزفيت طريق جانبي لا تمر منه في اليوم إلا خمس سيارات ويكلف الملايين وليس عند هذه الجهة استعداد لاعتماد مثل هذا المبلغ لإقامة متحف وطني مثلا وهذه مشكلة أو معضلة إذا كنا نحتاج لتوعية الناس بأهمية الآثار حتى على هذا المستوى الأعلى .
المحـور الثالث : أننا تأخرنا كثيرا في اعتماد برامج تخطيطية على المستوى المأمول وظلت الآثـار تابعة لوزارة المعارف عقودا من الزمن وهو حمـل ثقيل لم تستطع وكالة الآثـار تحمله فلجأت إلى عمل لوحات زرقاء اللون كتـُبت عليها عبارة مشهورة جدا وهي :
( هذه منطقة أثـرية .... ننصحك بالابتعاد عنها )
طبعا ليس من حقي أن أهضم الجهود التي بذلت وهي تتماشى مع المثل المعروف :
( على قـد زيتك أضويـلك)
أخيرا : الأمل الكبير المنتظر من الهيئة العليا للسياحة والآثـار أن تسرع وتسارع لعمل شيء يصب في مصلحة الآثار فكما أسلفت : الموضوع لا يحتمل التأجيل ووضع الخطط طويلة المدى .. وأجزم أن المسؤولين في الهيئة لديهم تصور وأسباب وبرامج وخطط على كل المستويات وأن ما نعرفه نحن المهتمون ليس إلا اجتهادا قد يكون الخطأ فيه أقرب منه إلى الصواب ..
المفضلات