جُدَّة بين السّيول والعُقول والفُول ..!




المدينة ـ الثلاثاء, 1 ديسمبر 2009


أحمد عبدالرحمن العرفج



[justify] [/justify][justify]
إذا كان الكلام القليل يُؤدِّي المعنى الجليل، فلا مفرّ مِن الاستعانة به، وهذا ما حدث لهذه الزَّاوية، حين جاءتني رسالة تفيض صراحةً وجمالاً وشفافية، مِن الصَّديق الأديب -شاعر ينبع- «سعد الرفاعي»، كتبها عندما جاء زائراً لجُدَّة هذا الأسبوع، ولم يجد إلَّا قناة الحبر الأصفر، ليُمرِّرها إلى الدُّنيا مِن خلالها، هذه رسالة سعد بعنوان
«إنَّه الفُول يا صديقي أحمد»:

في خِضَم الكارثة التي حلَّت (بعجوز) البحر –جُدَّة-، تسابق الكُتَّاب والمُفكِّرون والمُثقَّفون، في البحث عن أسباب هذه الكارثة، وتحديد الجهة أو الجهات المسؤولة، عن ما وصلت إليه أحياء وشوارع جُدَّة، مِن جَرَّاء السّيول والأمطار، ولأنَّ الموضوع شأن وطني عام، فقد أجهدتُ فكري للبحث عن الأسباب، التي أوصلتنا إلى هذا التَّنازع والاختلاف، حول الجهات التي تقف خلف مسؤوليّة ما حدث، وبعد تفكير فولي عميق، وجدتُ أنَّ السَّبب الرَّئيس هو الفُول، (فالفُول هو المسؤول)، فبسبب هذا التَّفكير الفُولي، قَبِلنا بمقولة بائسة تُؤصِّل للفساد، فحواها أنَّ أحد المسؤولين أبلغ بأنَّ أحد موظفيه يَسرق، فأطلق مقولة تم تداولها في غياب عقلي تام: (إذا كان يعمل ويسرق فليسرق)، ولا يُخفى ما في الجملة السَّابقة مِن زيف وتضليل، هدفهما التَّرويج للسّرقة مِن المال العام، الذي لا يُمكن لأحد القيادات العليا أن يسمح بتبذيره، فضلاً عن نهبه وسرقته!

إنَّ التَّفكير الفُولي، هو الذي جعلنا نكيل المديح لمسؤول ما، في موقف شُكر ووفاء، لتُصبح هذه الجملة -وبتقليد فولي محض-، كاللازمة التي نُكرِّرها بـ «ببغائيّة» ساذجة، في كُلِّ موقف، دون أن نعي أنَّ أي عمل ينجزه مسؤول ما، هو جزء مِن واجباته ومسؤولياته تجاه عمله!
إنَّ هذا الشُّكر المُتكرِّر حدّ الابتذال، يُفقده كُلّ معنى جميل له، ثُمَّ إنَّ هذا التَّفكير الفُولي، هو الذي يجعلنا نتلقَّى دعوة حضاريّة جميلة، أطلقها رئيس مجلس القضاء الأعلى، لتعامل المسؤول مع هذه الأزمة، عبر طلب رفع دعاوى مِن قِبَل المُتضرِّرين، إلى المحاكم الشرعيّة، لمقاضاة المسؤولين، ولكن هذا التَّفكير، هو الذي يجعلنا نتلقَّى هذا الأمر بالتَّشكيك، في مصداقيّة الطَّرح، والتَّعامل السَّلبي معه، رغم أنَّه يُشكِّل فرصة تاريخيّة عظيمة، لرفع مستوى الوعي، لتحقيق الرّقابة الشّرعيّة، كأحد أنواع الرّقابة في الإسلام، ممَّا يجعل هذه الرّقابة تتناغم مع توجّه المسؤول الأوّل، خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، في مكافحة ومحاربة الفساد والمفسدين! إنَّ الفول هو المسؤول، الذي يُغري موظّف الأمانة بالبحث عن طبقه الشَّهي صباحاً، عَبر محاله الشَّهيرة، ممَّا يفوّت فرصة الرّقابة الفعّالة، على المشاريع التي تُنجز على أرض الواقع، ولعل آخرها -على سبيل المثال لا الحصر- نفق الملك عبدالله!

إنَّ الوطن والقيادة لا يُمكن المُزايدة عليهما، فلهما الولاء والوفاء.. ومِن مُنطلق الولاء والوفاء.. ألا يحق لنا أن نُطالب بمُحاسبة المسؤول عن هذه الكوارث، أياً كان هذا المسؤول؟!.. فإذا ما ثبت أنَّه الفول فلا أقل مِن منعه، للحفاظ على سلامة العقول، أو العمل على الاستفادة مِن شدّة تماسكه، عبر سدود تقف أمام السّيول!.
[/justify]