قبلة البدء...ماذا ينتظر معرض الكتاب

الذي يحدث دائماً قبل قرب موعد انطلاق موعد معرض الرياض الدولي للكتاب، أن يحدث حتى في بيروت حالة استنفار للعناوين الأهم في العالم العربي وللترجمات العالمية ومثلها في عواصم أخرى.
وإذا كان هذا يحدث هناك على مستوى دور النشر العربية التي تعرف قيمة السوق الثقافية السعودية والقاريء السعودي الذي ظلَّ لسنوات طويلة بين دفتي الكتاب المُجاز
من الرقيب الإعلامي وسط محاذير لا آخر لها في الأسماء والعناوين والموضوعات ، ليس لأنه قاريء نوعي يعرف ويميِّز القيمة المعرفية والجمالية والأدبية لما يختار ، بل لأن معصمه كان مشدوداً إلى رغبات وقرارات المسموح والممنوع والاجتهادات التي يقوم بها موظفون تتجاوز في معظم أحيانها سقف الممنوع إلى سدّ الباب أمام كل احتمالات الثقافة والوعي والقراءة والاطلاع وصناعة مناخ مطويّ بعباءة الرقيب الذي يقرِّر لا حسب معرفته بقدر ماكان يعتمد، في كثير من الأحيان، على ما يتوقعه من شكل العناوين وعباراتها أو حتى دلالات كلماتها. لا زلت أذكر حادثة مع أحد موظفي الحدود حينما وجد « أكياساً « من الكتب ، كان أحد الأصدقاء يجلبها عبر الطريق البرّي حين قلّب الموظف العناوين والتفت لنا: ـ مافهمت شيئا! وحوَّلنا إلى المكتب الإعلامي واحتجزت الكتب بأرقام جوازات السَّفر. هذه حالات كان معظمنا، أعني الذين كبروا ، مروا بها وبعضنا كان يقرأ كتابه في الطائرة ويتركه مع علب الماء في جيب مقعد الراكب أمامه وكأنه يهرب من تهمة. كانت بعض عناوين الكتب حتى لمجرد أنها قصائد لأسماء عربية معروفة إذا وجدها أحد الأقرباء لديك صار ينصحك بالابتعاد عن الشيطان والإلحاد والشيوعية والحداثة وبعضهم يزيد مما تعلَّمه في محاضرات الوعظ ( البعث والاشتراكية )! كانت هذه هي التهم الجاهزة في المجتمع الذي تربَّى على إطلاق الأحكام دون محاولة فهمها ، وهي نفسها التربية التي تجعل أي مفتِّش يقابلك على الحدود يدينك بالكتاب. السنوات الأخيرة شهدت ما كنا نحلم به وبالتأكيد مالم يحلم به أي ناشر عربي، حين تحوّل معرض الرياض إلى أكبر تظاهرة ثقافية عربية ، وعلينا أن نعيد الفضل إلى كل القائمين على تنظيمها وجعلنا نتخلَّص من عيوب الخوف من القراءة أو الاقتراب منها ومشاركة عواصم العالم في الاحتفال بالكتاب والأفكار والإبداع العربي والعالمي ، هذا فضلاً عن جرعة الحريَّة التي طالت الإنتاج السعودي على كافة المستويات وكل أشكال الكتابة. ليس عيباً أن يكون القارئ السعودي قارئا غير متعمِّد فالسنوات التي قضاها في أدراج الأحكام الجاهزة للإبداع والكتابة تحتاج إلى جرعات مكثّفة من الوعي بالحقوق والحريَّات ، وعي بأهمية الكتاب ومن ثم نوعيته . وهذا بالطبع لا يمكن أن يكون حكماً جاهزاً تعميمياً في كلتا الحالتين، لكنه من واقع التجربة في السنتين الأخيرتين يتضح أننا أنجزنا مشوار سنوات طويلة ليس فقط من خلال تنظيم معرض بكل هذه النجاحات التي فاقت ما حقَّقته عواصم عربية أخرى بل حتى في المناخ العام الذي يشهد أننا نعيش إحدى الفترات الذهبية على كافة المستويات. منذ أن أصبحنا نعطي الحوار أهميته ، الحوار مع المختلِف والمختلَف معه وعليه، وأن الثقافة جزء لا يتجزأ من الحياة ، أنها عصارتها ومستقبلها وأن الإنسان قادر على المشاركة وقادر على الفرز بما أنه مؤمن بوطنيته حالماً باستقراره دون أن يكون رهناً للمفروض عليه فكرياً متمسكاً بحريته مدافعاً بالتعبير عنها . لم يعد الكتاب ولا الكتابة يخيفان بعد أن فهم الرقيب أنهما ليستا أداتين للإبادة ولا الفتك بالإنسان الحرّ المتعلِّم أبجديات الحياة واختيار مفرداتها ، الإنسان مفتوح الأفق أمام العالم ، الإنسان الذي علينا افتراضه هنا بما أننا نتحدث عن مجتمع إنساني يتشارك مع كل المجتمعات في كل الحقوق. الذي يجعلنا نتحدث عن معرض الكتاب ليس بسبب أنه أصبح تظاهرة ثقافية فقط ولا لأننا نريد الثناء على كل القائمين عليه فقط ، وليس لأننا استطعنا أن ندخل في سباق المستقبل نحو القراءة وصناعة مجتمع يفهم التنمية بكل أبعادها . بل لأن الكتاب أصبح جزءاً من حياة النّاس ، وأننا أعطينا الجيل المعني ببناء المستقبل الطريق. الطريق الطويل الذي يبدأ من الغلاف ولا ينتهي سوى بالوعي وأهميته في الحفاظ على كل ما يكفل له الطمأنينة تجاه ما سيعمل من اجل إنتاجه.
عادل الحوشان