بسم الله الرحمن الرحيم0

القصيدة الزينبيّة

للشاعر :صالح بن عبد القدوس 0


صَرَمتْ حِبالَكَ بعد وَصلـكَ زينـبُ والدَّهـرُ فـيـهِ تَغـيَّـرٌ وتَقَـلُّـبُ

نَشَرتْ ذوائِبَهـا التـي تَزهـو بهـا سُـوداً ورأسُـك كالثُّغامَـةِ أشيَـبُ

واستنفـرتْ لمّـا رأتْـكَ وطالـمـا كانتْ تحـنُّ إلـى لقـاكَ وتَرغـبْ

وكـذاكَ وصـلُ الغانيـاتِ فـإنـه آل ببلقَـعَـةٍ وبَـــرْقٌ خُـلَّــبُ

فـدَّعِ الصِّبـا فلقـدْ عـداكَ زمانُـهُ وازهَدْ فعُمرُكَ مـرَّ منـهُ الأطيَـبُ

ذهبَ الشبابُ فمـا لـه مـنْ عـودةٍ وأتَى المشيبُ فأيـنَ منـهُ المَهـربُ

دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبـا واذكُر ذنوبَـكَ وابِكهـا يـا مُذنـبُ

واذكـرْ مناقشـةَ الحسـابِ فـإنـه لا بَدَّ يُحصـي مـا جنيـتَ ويَكتُـبُ

لـم ينسَـهُ الملَكـانِ حيـنَ نسيتَـهُ بـل أثبـتـاهُ وأنــتَ لاهٍ تلـعـبُ

والـرُّوحُ فيـكَ وديعـةٌ أودعتَـهـا ستَردُّهـا بالرغـمِ منـكَ وتُسـلَـبُ

وغرورُ دنيـاكَ التـي تسعـى لهـا دارٌ حقيقتُـهـا مـتـاعٌ يـذهــبُ

والليـلُ فاعلـمْ والنهـارُ كلاهـمـا أنفاسُنـا فيـهـا تُـعـدُّ وتُحـسـبُ

وجميـعُ مـا خلَّفـتَـهُ وجمعـتَـهُ حقـاً يَقينـاً بعـدَ موتِـكَ يُنـهـبُ

تَبَّـاً لــدارٍ لا يــدومُ نعيمُـهـا ومَشيدُهـا عمّـا قلـيـلٍ يَـخـربُ

فاسمـعْ هُديـتَ نصيحـةً أولاكَهـا بَـرٌّ نَصـوحٌ لـلأنـامِ مُـجـرِّبُ

صَحِبَ الزَّمـانَ وأهلَـه مُستبصـراً ورأى الأمورَ بمـا تـؤوبُ وتَعقُـبُ

لا تأمَـنِ الدَّهـرَ الخَـؤُونَ فـإنـهُ مـا زالَ قِدْمـاً للرِّجـالِ يُــؤدِّبُ

وعواقِـبُ الأيـامِ فـي غَصَّاتِـهـا مَضَضٌ يُذَلُّ لـهُ الأعـزُّ الأنْجَـبْ

فعليـكَ تقـوى اللهِ فالزمْهـا تـفـزْ إنّّ التَّقـيَّ هـوَ البَهـيُّ الأهـيَـبُ

واعملْ بطاعتِهِ تنـلْ منـهُ الرِّضـا إن المطيـعَ لـهُ لـديـهِ مُـقـرَّبُ

واقنعْ ففي بعـضِ القناعـةِ راحـةٌ واليأسُ ممّـا فـاتَ فهـوَ المَطْلـبُ

فإذا طَمِعـتَ كُسيـتَ ثـوبَ مذلَّـةٍ فلقدْ كُسـيَ ثـوبَ المَذلَّـةِ أشعـبُ

وتَـوَقَّ مـنْ غَـدْرِ النِّسـاءِ خيانـةً فجميعُهُـنَّ مكايـدٌ لــكَ تُنـصَـبُ

لا تأمـنِ الأنثـى حيـاتَـكَ إنـهـا كالأفعُـوانِ يُـراغُ منـهُ الأنـيـبُ

لا تأمـنِ الأُنثـى زمـانَـكَ كُـلَّـهُ يومـاً ولـوْ حَلَفـتْ يمينـاً تكـذِبُ

تُغـري بليـنِ حديثِهـا وكلامِـهـا وإذا سَطَتْ فهيَ الصَّقيـلُ الأشطَـبُ

وابـدأْ عَـدوَّكَ بالتحيّـةِ ولتَـكُـنْ منـهُ زمـانَـكَ خائـفـاً تتـرقَّـبُ

واحــذرهُ إن لاقيـتَـهُ مُتَبَسِّـمـاً فالليـثُ يبـدو نابُـهُ إذْ يغْـضَـبُ

إنَّ الـعـدوُّ وإنْ تـقـادَمَ عـهـدُهُ فالحقدُ باقٍ فـي الصُّـدورِ مُغيَّـبُ

وإذا الصَّـديـقٌ لقيـتَـهُ مُتملِّـقـاً فهـوَ الـعـدوُّ وحـقُّـهُ يُتجـنَّـبُ

لا خيـرَ فـي ودِّ امـريءٍ مُتملِّـقٍ حُلـوِ اللـسـانِ وقلـبـهُ يتلـهَّـبُ

يلقـاكَ يحلـفُ أنـه بـكَ واثــقٌ وإذا تـوارَى عنـكَ فهـوَ العقـرَبُ

يُعطيكَ من طَـرَفِ اللِّسـانِ حـلاوةً ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ

وَصِلِ الكـرامَ وإنْ رمـوكَ بجفـوةٍ فالصفحُ عنهـمْ بالتَّجـاوزِ أصـوَبُ

واخترْ قرينَـكَ واصطنعـهُ تفاخـراً إنَّ القريـنَ إلـى المُقـارنِ يُنسـبُ

إنَّ الغنـيَ مـن الرجـالِ مُـكـرَّمٌ وتراهُ يُرجـى مـا لديـهِ ويُرهـبُ

ويُبَـشُّ بالتَّرحيـبِ عنـدَ قـدومِـهِ ويُقـامُ عنـدَ سـلامـهِ ويُـقـرَّبُ

والفقـرُ شيـنٌ للـرِّجـالِ فـإنـه حقاً يهـونُ بـه الشَّريـفُ الأنسـبُ

واخفضْ جناحَـكَ للأقـاربِ كُلِّهـمْ بتذلُّـلٍ واسمـحْ لهـمْ إن أذنـبـوا

ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لـكَ صاحبـاً إنَّ الكذوبَ يشيـنُ حُـراً يَصحـبُ

وزنِ الكـلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخـطُـبُ

واحفظْ لسانَكَ واحترزْ مـن لفظِـهِ فالمـرءُ يَسلَـمُ باللسـانِ ويُعطَـبُ

والسِّـرُّ فاكتمـهُ ولا تنطُـقْ بــهِ إنَّ الزجاجـةَ كسرُهـا لا يُشـعَـبُ

وكذاكَ سـرُّ المـرءِ إنْ لـمْ يُطـوهِ نشرتْـهُ ألسنـةٌ تـزيـدُ وتـكـذِبُ

لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليـسَ بزائـدٍ في الرِّزقِ بل يشقى الحريصُ ويتعبُ

ويظـلُّ ملهوفـاً يــرومُ تحـيّـلاً والـرِّزقُ ليـسَ بحيلـةٍ يُستجلَـبُ

كم عاجزٍ في النـاسِ يأتـي رزقُـهُ رغَـداً ويُحـرَمُ كَيِّـسٌ ويُخـيَّـبُ

وارعَ الأمانةَ ، والخيانـةَ فاجتنـبْ واعدِلْ ولا تظلمْ يَطبْ لـكَ مكسَـبُ

وإذا أصابـكَ نكبـةٌ فاصبـرْ لهـا مـن ذا رأيـتَ مسلَّمـاً لا يُنْـكـبُ

وإذا رُميـتَ مـن الزمـانِ بريبـةٍ أو نالكَ الأمـرُ الأشـقُّ الأصعـبُ

فاضـرعْ لربّـك إنـه أدنـى لمـنْ يدعوهُ من حبـلِ الوريـدِ وأقـربُ

كُنْ ما استطعتَ عن الأنـامِ بمعـزِلٍ إنَّ الكثيرَ مـن الـوَرَى لا يُصحـبُ

واحـذرْ مُصاحبـةَ اللئيـم فـإنّـهُ يُعدي كما يُعدي الصحيـحَ الأجـربُ

واحذرْ من المظلـومِ سَهمـاً صائبـاً واعلـمْ بـأنَّ دعـاءَهُ لا يُحـجَـبُ

وإذا رأيـتَ الـرِّزقَ عَـزَّ ببـلـدةٍ وخشيتَ فيهـا أن يضيـقَ المذهـبُ

فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعـةَ الفَضَـا طولاً وعَرضـاً شرقُهـا والمغـرِبُ

فلقدْ نصحتُـكَ إنْ قبلـتَ نصيحتـي فالنُّصحُ أغلـى مـا يُبـاعُ ويُوهَـبُ