كلنا يعلم أن الاختبارات تعتبر من أركان التعليم التي لا تقوم العملية التعليمية إلا بها بل بواسطتها نحكم على مخرجات التعليم، فإن كانت النتائج جيدة وتحصيل الطلاب ضعيفا فهذا مؤشر على أن هذا الركن ساقط والعملية التعليمية عرجاء أو مشلولة. والمتتبع لأحوال التعليم في الوقت الحاضر يجد الصياح من كل جهة على أن مخرجات التعليم ضعيفة، فالجامعات ترمي بالتهمة على التعليم العام والتعليم العام يرمي بالتهمة على الجامعات لكونها تخرج معلمين غير مؤهلين وتسير هذه التهمة في دائرة لا تعرف بدايتها ولا نهايتها، والحقيقة أن الجميع مشترك في هذا القصور، وحتى لا أطيل سأشير إلى القصور الحاصل في التعليم العام لكوني أحد العاملين فيه والمطلع عليه عن قرب فأقول: إن المتأمل في سير الاختبارات والمتتبع لأسئلة المعلمين يجد أن المعلمين أصناف كثيرة أذكر بعضاً منها:
ـ الصنف الأول: وهو من يتبع الأسلوب القمعي، فيضع الأسئلة ويقصد بها قمع الطلاب على سلوكهم معه خلال الفصل الدراسي فلا يقصد بها التقييم ولا التقويم.
ـ الصنف الثاني: وهو غير المبالي فيضع الأسئلة ولسان حاله يقول (الويل لمن رسب) فيضع أسئلة سهلة بحيث ينجح جميع الطلاب فلا يتعب مرتين في الدور الأول والثاني! ومن هؤلاء غالباً المعلمون طالب النقل الخارجي.
ـ الصنف الثالث: الكسول: وهو من يضع أسئلة قصيرة وتكون كلها موضوعية غير (متعوب) عليها فهو لا يريد أن يتعب في التصحيح أما ما عدا ذلك فالأمر هين.
الصنف الرابع: من يجتهد ويضع أسئلة ويحرص على ألا تكون سهلة ولا تكون صعبة فقط أما ما عدا ذلك من شروط الأسئلة فلا يلتفت له إما جهلاً أو كسلاً في حصر أهداف كل درس أو غير ذلك من الأسباب.
ـ الصنف الخامس: وهو من يضع أسئلة في جزء من المقرر ويترك الجزء الآخر لأسباب مختلفة، إما لأنه غير مقتنع بموضوع ما، أو لكثرة غيابه وعدم استطاعته إكمال المقرر أو غير ذلك، لذلك تجده دائماً يقول هذا الموضوع (محذوف).
ولن أزيد على هذه الأصناف ولن أفصل فيها فالأصناف كثيرة والحديث عنها يطول ولكن أنصح من أراد أن يطلع على هذه الأصناف أو بعضها أن يزور مدرسة عدد طلابها كثير ويصطحب معه جدول المواصفات لكل مادة ثم يستعرض أسئلة جميع المواد ويحكم بنفسه وأجزم أنه سيندهش. علماً بأن بعض المعلمين قد يدخل ضمن أكثر من صنف من هذه الأصناف.
وفي هذه العجالة سأطرح مقترحاً قد طرحه غيري ولكن فيه بعض التغيير وهو كالآتي:
أن تكون الأسئلة من إدارة التربية والتعليم ويكون الجدول موحداً لجميع المدارس في كل الصفوف، وأعلم أن هناك من يقول هذا يحتاج إلى جهد وإلى سرية، وأقول له هذا ليس فيه صعوبة بل طبق في مشروع الاختبارات التحصيلية ونجح نجاحاً باهراً ـ وإن كنا نخشى من موت هذا المشروع الرائع في مهده (واقتراحي هذا يطرح في حال موت هذا المشروع) ثم توزع الأسئلة على مديري المدارس ليقوموا بتصويرها وإعدادها للطلاب. ثم يقوم المشرفون بمتابعة تصحيحها من قبل معلم المادة في كل مدرسة، فإن في وضع الأسئلة من قبل إدارات التربية والتعليم ثمرات كثيرة أذكر شيئاً منها:
1 ـ أن الأسئلة ستكون نموذجية وسينعكس ذلك على مستوى تحصيل الطلاب، وسنتعرف على المستوى الحقيقي للطلاب، وبالتالي ستتحسن مخرجات التعليم.
2 ـ أن المعلم لن يحتاج إلى متابع من مدير أو مشرف في بذل قصارى جهده في توصيل المعلومة للطلاب.
3 ـ فرز المعلم المتميز ومن عنده قصور أو تكاسل.
4 ـ اهتمام المعلم بوقت الدرس، بل بحصص المادة كلها حتى آخر حصة في الفصل الدراسي دون كسل أو تراخ، وسنرى الطلاب على مقاعد الدراسة في اليوم الأخير الذي يسبق كل إجازة، وسيحرص المعلم على توصيل الأهداف للطلاب بالوسائل المتوفرة في المدرسة، وسنقضي على عبارة (محذوف وغير مهم).
5 ـ اهتمام إدارات التربية والتعليم بالاختبارات من كل النواحي إعداداً وإشرافاً وإعطائها جهداً أكبر مما هو مبذول في الوقت الحاضر، فإنك لا تجد من يسأل المعلم في هذا الوقت عن أسئلته إلا نادراً وفي ظروف معينة، والمعلمون أمامك فاسألهم.
6 ـ أن القصور في توصيل المعلومة من قبل المعلم سينكشف بسهولة وسيواجه بهجوم من جميع الجهات من المدير والمشرف بل ومن أولياء الأمور.
7 ـ أن المعلم سيحرص على تطوير نفسه بالتدريب والاستفادة من ذوي الخبرة والمميزين حتى يبرز أو على الأقل لا يتهم بالضعف.
فإذا كانت هذه (بعض) الفوائد في حالة صدور الأسئلة من غير المعلم أفلا يجدر بنا أن نسارع في دراسة الموضوع بسرعة ودون تعقيد؟ وليس في ذلك سحب للثقة من المعلم بل هي مساعدة له في تأدية أمانته، وراحة له من عناء وضع الأسئلة هذا من جهة، ومن جهة أخرى (أعط القوس باريها) فإنه ليس كل معلم بل وليس كل مشرف ملما بشروط الأسئلة وطريقتها وأنواعها وإن كان ملماً فإن القادر على التطبيق قليل. وتدريب كل المعلمين يحتاج إلى جهد كبير ولا سيما مع عزوف كثير من المعلمين عن التدريب، وكذلك عدم توفر المدرب المتمكن في كل إدارة فلماذا لا نخصص عدداً قليلاً (ـ وليكن المشرفين ـ) لدراسة وضع الأسئلة وتطبيق جدول المواصفات عليها.
وفي الختام فإننا إذا آمنا أن الاختبارات ركن من أركان العملية التعليمية فهل نضعها في يد من لا يجيدها؟
عبدالله حمد السعيس
المفضلات