[mark=#E3E309] «ورحل.. مَن مجلسه أبدًا لا يُمل»

بقلم الشيخ / خلف عاشور



[/mark]


[align=justify]
المدينة [/align]

كنتُ مستغرقًا في نوم عميق.. هاتفني أحد أفراد الأسرة ينقل إليَّ الخبر في ساعة مبكرة من يوم الاثنين 20/10/1429هـ هو اليوم المحدد لاتصالك بي يا أبا أمل من الرياض.. جلستُ على السرير، ومكثتُ أسترجع.. هذه الكلمات التي تنطلق تلقائيًّا من كل مؤمن عند فراق عزيز.. تستقر بعدها النفس، وتتجه لخالق هذا الكون تسأله العفو عن الراحل، والصبر للأشقاء، والزوجة، والأبناء، والابنتين بالذات مَن عاشتا معه في حب ودلال.. ما أعظم الخالق إذا اتجه إليه العبد بالدعاء الصادق من القلب.. سرعان ما تلوح الحقيقة توطّدها قوة الإيمان، فتهدّئ من روع مفاجئ جاء كالصاعقة والإنسان في غفلة أو في نوم عميق، لأن الرحيل -وعلى هذا النحو- مخبأ في علم الغيب، لا يعلم عنه قريب أو صديق.. جئت أنت من دمشق مساء الثلاثاء لنكون الأربعة سويًّا إلى صباح الأربعاء.. هناك في تلك الربوع نطل على جمال تلك الربوع التي نتمنى أن تظل في استقرار؛ ليعم السلام في بلد كان يتأرجح بين فتن وسلام، بأرض لبنان.. ولكنّ الساعات مرّت سريعة ليعقبها هول فاجع مرير.. هذه هي الحياة، وليتعظ الأحياء.. ستفتقدك يا أبا أمل شريحة كبيرة من أصدقاء وأحبة وخلّان، وسيفتقدك إخوة وذوو قربى في عدد من البلدان.. وقادتك العروبة لتسرع للبلد الذي منه جئت.. أسرعت إليه لأداء عمل من أجله جئت..
ولكنها خطى كتبت عليك ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كانت منيته بأرض فليس يموت في أرض سواها
(وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا، وما تدري نفس بأي أرض تموت).. وامتد الفكر إلى بيتك بجدة بـ(الحوامات)، حيث الزوجة والأولاد والابنتان.. وحيث الأشقاء والأحبة والأصدقاء.. إلى جمع شاهدناه في حشد كبير يتبع الغالي، حيث يستقر جثمانك في ثرى أرض الوطن.. طوال اليوم كنت أسترجع في ذهول، الخبر المفاجئ، وبعد لقاء قصير يعطل الفكر.. ولكن تمسك المؤمن أمام هذه الأحداث تؤدي بالمخلوق إلى إعادة الصواب إليه، والاستسلام لأمر الله الخالق العظيم. سبحانك يا رب.. راضون بحكمك، ونسبّح دائمًا بعظمتك وقدرتك، نسألك بحق كل اسم سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تكتب للراحل الحبيب جزيل العطاء، يا واسع العطاء، وأن تنزل على أسرته -كل أسرته- الصبر وجميل العزاء.
(إنا لله وإنا إليه راجعون).
رثاء نابع من القلب سطره قلم شيخنا المبجل / خلف عاشور ، وكلمات وعبارات يزينها الوفاء وتجملها الدعوات الصادقة للفقيد / منصور عبد الغفار يرحمه الله .