المؤمن الصادق يعلم أن في الكون أسباباً وأن لأحداثه عللاً
الدويش ينتقد تنحية السنن الإلهية في "هزات العيص"
) الدمام:
انتقد الأمين العام لمركز رؤية للدراسات الاجتماعية الشيخ الدكتور إبراهيم الدويش وسائل الإعلام المرئية والمقروءة في معرض حديثه عن زلال العيص قائلا : "نقرأ ونسمع الكثير من التحليلات العلمية في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة ومن المتخصصين في الأرض وعلومها، فيعلل تارة بأنها منطقة زلازل، وبأن الزلازل كوارث طبيعة، وكلنا يعلم أن الحقائق العلمية الحديثة لا تخفى على علماء الأرض وما هي أسباب حدوث الزلازل، والفيضانات، لكن تحرير أسبابها العلمية لا يخرجها أبداً من كونها جنداً من جند الله، فلماذا تنحية النظرة الشرعية والسنن الإلهية في مثل هذه الأحداث؟ فبأمر من تحدث الزلازل؟ وبأمر من تتحرك الأمواج والبحار؟ { قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}، ويبقى العالم بكل ما أوتي من قوة عاجزًا عن تلافيها أو دفع أضرارها، {وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} ".
وأضاف الدويش "إن المؤمن الصادق يعلم أن في الكون أسباباً وأن لأحداثه عللاً، ولكنه يؤمن بأن الله خالق هذه الأسباب وأنه موجد هذه العلل، فالله هو الذي يزلزل الأرض، والله هو الذي يجري الأنهار، والله هو الذي يرسل الرياح، وكل شيء بأمره، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}، فيا عجباً لنا ولقلوبنا عندما تُفسر تلك الأحداث بأنها حوادث طبيعية، وبسبب تقلص القشرة الأرضية، وبأن الزلازل عبارة عن رياح وأبخرة تحت الأرض، تبحث عن مخرج لها فإن وجدته خرجت على شكل بركان، وإن لم تجده تهتز الأرض، فيكون الزلزال، ثم كفى؟ أيعقل أن نسمع بتحرك الأرض وتهدم المباني وربما هلاك الأنفس ثم لا نتأثر ولا نعتبر؟ ".
وتساءلَ الدويش: "أيعقل أن يبقى الناس على بعدهم وغفلتهم وقسوة قلوبهم؟ أيعقل أن ترتجف المحيطات والبحار ولا ترتجف القلوب التي في الصدور؟ إن كان هذا فهو وربي أشد من تزلزل الأرض لأن موت القلوب أشد من موت الأبدان والعمران؟ عجيب حال الناس! الزلزال يضرب في غرب البلاد، والناس في شرقها وجنوبها ووسطها وشمالها لا يزالون في غمرة ساهون، فمتى يشعر الإنسان بجلال الله وعظمتِه وجبروتِه، إن لم يكن في مثل هذا الحدث؟ متي يستيقظ القلب إن لم يكن في مثل هذه المحنِ والمصائِبِ؟ متى يعرِف الناسُ عزَّ الرّبوبيّة وقهرَها، وذلَّ العبودية وكسرَها، إن لم يكن في هذه الفتن؟ فهيا نرجع الناس للأسباب الحقيقية، فإنه لما وقع الزلزال في خلافة عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله في البلدان وأمرهم أن يأمروا المسلمين بالتوبة إلى الله والضراعة إليه والاستغفار من ذنوبهم. إنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، وصنائع المعروف تطفئ غضب الرب، والواجب على المؤمنين أن يكونوا على وجلٍ من ذنوبهم كما قال الحسن البصري رحمه الله إن المؤمن لا يصبح إلا خائفاً ولا يصلحه إلا ذاك".
وقال الدويش: لا أظن أن أحداً خطر في باله أن نتحدث يوماً عن الزلازل في بلادنا، والعجيب أن زلازل العالم تحل فجأة وفي ثوان ترتج الأرض فتتهدم المباني، وبطرفة عين تحل المصائب والآلام، فيحل الخوف والرعب وتتلاشى الأحلام، ويكون الخراب والدمار، أما زلازل العيص فقد قدر الله أن ترصدها المقاييس وأن تتنبأ بها بتوفيق من الله وقدرته، وأن تستعد لها الجهات الرسمية وتُعد العدة وتتهيأ النفوس، ثم من عجيب لطف الله أن قوتها بدأت شيئاً فشيئاً وبتدرج رحيم، ولا شك أن هذا كله من رحمة الله ولطفه، لو أن الناس يعقلون ويتدبرون، فسبحان الله زلازل وغلاء أسعار، وأزمات مالية، وانفلونزا خنازير، وطواعين وفيروسات، وبراكين وأعاصير وأجواء متقلبة مغبرة ومتربة، وأحداث تهز القلوب، وعبر توقظ الضمائر، ومخاوف تحيط بالجميع، وقوارع تنذر الناس أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ولا مفر لنا إلا بالرجوع إليه، {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} أولا تعجبون أيها المؤمنون تتلاحق النذر، وتتوالى الفتن، وتعصف بالناس المحن، وقلة مؤمنة تتذكر وترجع وتستغفر: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} ما أجمل حياة الإيمان، والاتعاظ والاعتبار، فالقلوب تحيى مع المصائب والمحن، وتلين النفوس لذكر الله وحبه وخوفه؟.
وأكدَ الدويش أن هذه الزلازل "لا شك أنها نذر وعقوبات، وفيها عبر وعظات، ودلالة على قدرة الله الباهرة، حيث يأذن لهذه الأرض أن تتحرك بضع ثوان أو دقائق فينتج عن ذلك دمار وهلاك وربما رعب وفزع، لعل الناس يراجعون أنفسهم لعلهم يتوبون، لعلهم يستغفرون. لعلهم يتضرعون ويكثرون من العبادة.. الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن معاصيه والندم، كما قال بعض السلف لما زلزلت الأرض: (إن ربكم يستعتبكم) ".
وأضاف الدويش "أن ما أصاب أرضنا هز القلوب أكثر من هزه للأرض، إنه هزة للقلوب الغافلة، وصيحة قوية مزلزلة، إن في هذا لذكرى للقلب المؤمن، ذكرى لمن يتعظ ويعتبر، وفي الأرض المتحركة قلوب لا تتحرك ولا تتأثر، قلوب قست وأظلمت، قلوب طغت عليها الشهوات فلم تعد تتعظ، أو تتفكر، إنها رسالة توقِظنا من رَقدتنا لنتذكَّرَ الآخرةَ، فلقد خدَّرتَنا الدنيا بمفاتِنها، وشغَلتنا بهجتُها، حتى كأنّنا مخلَّدون على ظهرها، غير مرتَحِلين إلى بطنِها، وكأنَّ الموتَ والآخرة قِصص تُتلَى وحديث يُروى ثم ينسَى. إن الزلازل رسالة وإنذارٌ لنا جميعاً بأنّ الحياةَ مؤقَّتة، وأنّ الأجلَ قريب مهما طالَ الأمل، وأنّ العبدَ عُرضة في كلِّ لحظةٍ للزوال فجأة. هكذا ليكن الموقف: فالمؤمن مرهف الحس لمثل هذه الأحداث، فهل يتعلم الناس من هذا الزلزال التوبة من العصيان، والتطهر من الذنوب والرجوع إلى الرؤوف الرحيم؟".
وتابع :" لقد فشا في كثير من المجتمعات الإسلامية، بدع وشرك صريح، من طواف حول القبور وعكوف حولها وسؤال الأموات، ومحاربة للسنة والإسلام سراً وجهراً، والحكم بغير شرع الله، والظلم والجور، وانتشار الربا وأكل أموال الناس بالباطل، وكثرة الفواحش كالزنا وتبرج النساء، وشرب الخمور والمسكرات، وإدمان المخدرات، كثر أكل الحرام، وتنوعت الحيل، شهادات باطلة، وأيمان فاجرة، وخصومات ظالمة، ارتفعت أصوات المعازف والمزامير، وفشت رذائل الأخلاق، حورب الدين وأهله، وسخر من الدعاة والمصلحين، وأصبح قدوة الشباب الفنّان والمطرب واللاعب، وحين ابتعد الناس عن الطريق المستقيم كثر الكفر والفسوق والعصيان، وقلّ الشكر وإرجاع الحقوق، كذبٌ وتزوير وحسد، وترك للنهي عن المنكرات، تبرج وسفور، وزنا ولواط، غيبة ونميمة، وجدال وخصومة، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ،(النحل61)، ومن فضل الله ورحمته أنه لا يؤاخذ الناس بكل ذنب، ولكن إذا نسوا تذكيرَ الله لهم خوّفهم بالآيات التي تهتزّ لها المشاعر والأبدان، كالزلازل والفيضانات، والفتن والتفجيرات، وما ذاك إلا ليخوّف الله به الإنسان إذا تمادى في الطغيان، ولعذاب الآخرة أكبر، ولأمر الله أعظم، والأمة حين تغفل عن سنن الله تغرق في شهواتها وتضل طريقها حتى تقع في مصارع السوء، والعذاب يعم الصالح والفاسد كما ورد في الحديث:"أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:"نعم، إذا كثر الخبث".
ودعا الدويش إلى اتقاء غضب الجبار بالتواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبكثرة الاعتذار والاستغفار، وكثرة الأعمال الصالحة والصدقات وإطعام الطعام، ومواساة المنكوب والكسير، وأنواع البر والإحسان، فإن في الناس محتاجين ومنكوبين، وفي مجتمعنا صور وأخبار، وفي البيوت أسرار، وأرامل وأطفال صغار، ومسنين وعجزة كبار، عضهم البؤس بنابه، وأوجعهم الفقر بكلابه، لا موارد لهم، يتحدثون فتظنهم من الأغنياء، وهم أهل تعفف وحياء، والله أعلم بما يقاسون، من الهموم والديون، ومن ألم الحاجة والفقر، والشدة والعسر، بمثل هؤلاء يُرحم الناس، فتواصوا بالحق واستغفروا وتصدقوا، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء، و لعل الله أن يرحمنا ويدفع عن الأذى والفتن، فإنما ترحمون وتنصرون بضعفائكم".
المفضلات