ورقتي الثانية من مشاهداتي (ثقافات صينية)
[align=center](عيد الصفاء)
الترجمة الصوتية إلى اللغة العربية
(تشينغ مينغ جيه)
يحتفل بعيد ((تشينغ مينغ)) – عيد (( الصفاء والنقاء)) أو ((عيد الموتى)) – في أواخر الأسبوع الأول أو أوائل الأسبوع الثاني من شهر إبريل، وهو عيد قديم يرجع أنه متطور من عند ((أكل الطعام باردا)).
دار هذا الحوار بيني وبين صديق صيني جاء فيه :
وحين سألته عن تفاصيل أكثر روى لي القصة كاملة ...
قال لي بأنه عندما يتوفى شخص ما تنزع ملابسه وتؤخذ مع فراشه خارج البيت وتحرق أملا في أن ترافقه حاجاته تلك في رحلته الأبدية !
ويرسم حول تلك الحاجات دائرة بقطعة طباشير لمنع أرواح الموتى الآخرينِ من سرقَة أي شيء !
ثم يؤتى له بملابس جديدة أنيقة وفراش جديد ..
تبدأ العائلة بعدها بإعداد ( منضدة روح ) ستستمر لـ 49 يوما ، توضع بداخلها الشموع و العديد من أعواد البخور، وأنواع من الطعام والفواكه و يحرص على أن تكون قنينة الشاي ممتلئة خلال تلك الفترة وإن كان المتوفى مدخنا فستشعل السجائر وتوضع تباعا في المنفضة!
وأمام المنضدة توضع آلة تسجيل تكرر أناشيد بوذية
وفي الأيام الثلاثة التالية يجب أن يتطوع شخص من العائلة ليكون متواجدا في غرفة المتوفى مستيقظا لأنهم يعتقدون بأن الروح تحوم حول الغرفة دون أن تدرك أنها قد توفيت وفي الأيام السبعة الأولى تشعل أعواد البخور بصورة مستمرة وتمتنع العائلة عن أكل اللحم ارتداء الملابس الجديدة والاستحمام والحلاقة وتحرص نساء العائلة على وضع رقعة من القماشِ الأسود على الكم ، فيما تضع سيدات العائلة زهرة بيضاء في شعرهن ويرتدي المقربون الذين يعيشون في نفس البيت أحزمة بيضاء أما الأحفاد فيضعون رقعة حمراء على الكم ..
قلت له أن النساء في وطني تحرص هناك على ارتداء السواد لفترة طويلة قد تمتد إلى سنة كاملة وبالنسبة لأمي فإنني لم أرها يوما ترتدي غير السواد حتى رحلت به لترادف الأحزان على قلبها فتأثر لذلك ..
قال لي صديقي أن هناك اعتقادا لديهم بأن أرواح الأشخاصِ محمية بأجسادهم وأنها لا تشعر بالبلل وقت المطر لكنها تصبح رطبة أثناء المطر الأولِ ، بعد الموت وعندها فقط تدرك الروح بأنها تركت صدفَتها الدنيوية !
في اليوم الثالث بعد الموت تستدعى عربة لنقل الجثمان إلى حيث يحرق وتحمل النساء من أفراد العائلة الأوعية الفخارية المليئة بالغذاء لكسرها بعد مغادرة العربة ، في مشهد يشابه مشاهد توديع أمهات وطني للمسافرين حين يلقين الماء في إثرهم ، وهكذا تتناثر قطع الفخار والغذاء على الأرض هنا وتغسل المياه خطوات المسافرين هناك ..
أخبرني كذلك أن كثيرا من الصينيين يعتقدون بأن الروح ستعود ، إلى البيت ، كل سبعة أيام من موتها وأن كل زيارة ستكون مدتها أقصر من السابقة حتى اليوم التاسع والأربعين ، يوم العودة النهائية ، حينها ستكون تلك الزيارة لبضعة دقائق فقط !
قلت له أننا نحرص هناك على زيارة قبر المتوفى في اليوم الأربعين من وفاته فأخبرني بأن لديهم سبع زيارات ، كل سبعة أيام ...
ففي اليوم السابع الأول تستأجر العائلة والأصدقاء حافلة ، وتذهب إلى القبر ، الذي يحتوي صندوق الرماد ، حاملين له الزهور والطعام الطازج والشراب وهناك يخرجون الصندوق ويبدءون بإشعال نار ستلتهم ملابسه المتبقية في ( حفل نار أسبوعي ) حتى اليوم التاسع والأربعين !
لكن الغريب أنهم لا يسمحون لمن أكل لحم الخنزير أو للمرأة الحامل أو الحائض بالمشاركة في تلك الطقوس كما يجب على كل فرد أَن يخطو فوق تلك النار مرتين أو ثلاث لكي لا يكون بمقدور الأرواح الشريرة إتباعهم إلى بيوتهم كل مرة !
أخبرني صديقي في معرض حديثه الممتع أن ذروة احتفاء الصينيين بأمواتهم تبدأ حين يحل شهر ابريل (نيسان) الذي خصص للموتى ، حيث يحل (عيد تشينغ مينغ) أو (عيد الصفاء والنقاء) أو (عيد الموتى ) أو (عيد كنس القبور) في نهاية الأسبوع الأول منه وتتواصل حتى يوم السابع والعشرين من الشهر ذاته موعد الذكرى السنوية لإعلان حرق جثث الموتى الذي أصدره ( ماوتسى تونغ ) عام 1956 وتنتعش طوال هذه الفترة تجارة النقود والسلع المزيفة ، حيث يتبارى الجميع في شرائها ويكتبون عليها أسماء أحبائهم ممن رحلوا عن الدنيا قبل أن يحرقونها ثم ينثرونها في الهواء ليحملها الى عنان السماء وقد شرع ( عيد الموتى ) من قبل إمبراطور صيني تخليدا لذكرى مسؤول مخلص ضحى بحياته لإنقاذ حياة الإمبراطور قبل أكثر من 2500 عام وتدريجيا أصبح هذا اليوم مناسبة تقليدية لتقديم الولاء للأسلاف ولأفراد العائلة الراحلين .
في السوق لفت انتباهي انتشار تلك الأوراق النقدية الكبيرة المزيفة التي تحمل كل ورقة منها عشرة أصفار إلى يمين الرقم 1 !
كانت هناك بائعة مسنة افترشت الأرض بالعديد من البضائع المزيفة .. وقفت لأرى تلك البضائع التي كانت محاطة بعدد كبير من الشموع الحمراء وعلب الكبريت وأعواد البخور وألعابا نارية.. كانت هناك رزما من الأوراق النقدية وعلبا وضعت بداخلها صورة لسيارة حديثة وصورة لهاتف نقال وقداحة وعلبا ورقية ذهبية اللون تمثل سبائك ذهب !
يسمى عيد تشينغ مينغ ( عيد الأشباح ) في بعض المناطق الصينية ، ومن التقاليد أنهم لا يوقدون شمعة داخل منازلهم ولا يشعلون موقدا داخل مطابخهم .. ويتناولون طعامهم باردا في الصباح الباكر ( بعد إعداده وتجهيزه قبل أيام ) على أن يشكل البيض مكونا أساسيا في جميع الأصناف باعتباره أصل الحياة ... وفي هذا العيد الحزين ينهمك الرجال في زراعة أشجار الصفصاف التي يسمونها الأشجار الباكية في شتى أنحاء الصين خاصة على ضفاف الأنهار أملا في أن تملأ قطرات دموعها المنسكبة على الدوام جميع الأنهار الصينية البالغ عددها 1500 نهر فتفيض مياهها حتى في مواسم الجفاف وفي هذا العيد يتوجه الملايين في صمت وخشوع إلى قبور أمواتهم ويمضون اليوم بأكمله هناك ينخرطون في البكاء حزنا على رحيلهم حاملين معهم رماد العشب اليابس حيث يستخدمونه في رسم دوائر واسعة كالدوامات إحداها داخل الأخرى رمزا لمخازن الحبوب العامرة بالحصاد
وخلال طقوس القرابين، يزيل الناس الأعشاب المتنوعة عن الأضرحة ويضيفون إليها كمية من التراب ، ويشعلون أعواد البخور ، ويحرقون أوراق النذور، والنقود والهدايا المزيفة التي كتبت عليها أسماء أمواتهم ، ويسجدون ويقفون أمامها وقفة حداد .. وقد قرأت أن هناك شعرا كتب في عهد أسرة سونغ الملكية ( 960 - 1279 ) كان قد صور تلك الطقوس : ( تكثر الأضرحة على قمم الجبال الجنوبية والشمالية ، ويزورها الناس لتقديم القرابين بالتتابع بمناسبة عيد تشينغ مينغ ، ويطير رماد أوراق النذور في السماء كأسراب من الفراش البيضاء ، ويذرف الناس دموعهم ودماءهم مثل الوقواق الأحمر ) ..
في بداية الأسبوع الثاني من الشهر ، وبينما كان إقبال الصينيين على شراء الهدايا المزيفة مستمرا ، كنت في السوق لشراء بعض الهدايا الحقيقية ، بخلافهم ، لمناسبة مختلفة تماما ![/align]
[align=center]لدينا قوة هائلة لا يتصورها إنسان ونريد أن نستخدمها في البناء فقط، فلا يستفزنا أحد!
نقاتل معا، لنعيش معا، ونموت معا!
تحياتي وأشواقي لينبع ومن فيها.
أخوكم علي شويمي المطرفي
معلم بمتوسطة بلال بن رباح ـ بينبع ـ(سابقاً)[/CENTER][/align]
المفضلات