أولادنا في خطر (1-2)

أنس زاهد
بحلول عصر الفضائيات وثورة الاتصالات، فقدت الأسرة جزءا أساسا من دورها كمؤسسة قادرة على التأثير في النشء.

يجب أن نعترف أنا لم نعد الوحيدين الذين نقوم بمهمة تربية أولادنا. هناك من يزاحمنا ولا أقول يشاركنا، على أداء هذا الدور.

هناك بالإضافة إلى القنوات الفضائية التقليدية، مجموعة من القنوات المتخصصة في مخاطبة النشء وجيل الشباب. هذه القنوات إما أن تكون من تلك التي تعتمد على مخاطبة الغرائز وتهييجها عن طريق الاحتفاء المبالغ فيه بالجسد، وإما أن تكون من تلك القنوات التي تدعو إلى تحقير الجسد والتعالي على الغرائز عن طريق تعميق الشعور بالذنب لدى مشاهديها.

كلا النوعين اختصرا التكوين الإنساني في الجسد، وكأن الإنسان كائن مادي ليس عليه في الحياة سوى الاستجابة لغرائزه إلى ما لا حدود، أو إلجامها والنظر إليها باعتبارها فزاعة قد توقعه في الخطيئة في أية لحظة. وبناء على الفلسفة الأخرى التي تقزم من إرادة الإنسان، فإن كل ما تقع عليه العيون قد يكون مثيرا للغرائز ومحفزا لارتكاب الخطيئة، حتى ولو اقتصر ذلك على مجرد متابعة نشرة أخبار تقوم بتقديمها سيدة ما.

هناك أيضا ألعاب الفيديو وما تصدره من قيم غريبة عجيبة يزين بعضها السرقة والخروج على القانون لمن يتعاطونها. وهناك ما يروج للعنف ويخلطه بالشجاعة فينشأ الطفل وهو ينظر إلى العنف نظرة إيجابية. وهناك ألعاب أخرى تحض على العنصرية عن طريق تقديم بعض الأعراق وهي تحتكر أعمال الجريمة وكل السلوكيات المشينة الأخرى.

كل هذه المؤثرات تقوم بتشكيل جزء من الوعي، بالإضافة إلى الجزء الأكبر من اللاوعي. وهنا تكمن الخطورة الحقيقية. فالأسرة تستطيع توعية الأطفال والنشء، لكن اللاوعي هو الذي يتحكم بسلوكيات الناس أكثر بكثير من الوعي. والمؤثرات التي ذكرناها سابقا هي التي تستطيع التسلل إلى اللاوعي والسيطرة عليه عن طريق التكرار والتراكم.

أجيالنا في عمق الخطر.