عبدالمحسن البدراني

عندما نؤكد ان المتناقضات متعددة والفروقات شاسعة في محافظة ينبع فلا نكون بعيدين عن الحقيقة ولا نتحدث عن شيء جديد.

فالوقائع شاهدة وقائمة والسؤال عن هذا الوضع الغريب يتكرر في كل متناقضات المجتمع الينبعاوي. لانه مجتمع فاعل ومتحرك ونشط ومثقف بيئياً بحكم طبيعة المكان فالبحر والنخل والهيئة ساهمت في فتح النقاش بين ثلاث بيئات مختلفة (بحرية، زراعية، وصناعية) ليتمحور الحراك والاسئلة حول عشوائية الخدمات في ينبع البحر، وشحها في ينبع النخل وتطورها في ينبع الصناعية.

ينبع واحدة

والتباعد في ينبع فرض المسميات فينبع التاريخ كانت واحدة ولم يكن هناك ينبع البحر ولا ينبع النخل فالمزارع والعيون والخيوف كانت متجاورة ومتلاصقة من النخل والجبل حتى الشاطئ والبحر ولكن عندما ماتت المزارع وجفت العيون.ونشط الميناء بدأ التمحور حوله وتم انشاء اول الاحياء في ينبع وهو حي السور. والذي استقرت به في البداية الدوائر الحكومية.

واليوم ورغم زيادة المسميات الى ثلاثة بظهور ينبع الصناعية يحاول العديد من ابناء المجتمع الينبعاوي لملمة هذه المفاهيم والتأكيد على ان ينبع واحدة بحراً ونخلاً وصناعة وخدماتها واحدة ولا فرق بين ينبع واخرى فالمحافظة في ينبع موغلة في الروتين وشح الامكانات والهيئة تستعرض بخدماتها وامكاناتها ومواطنو ينبع يحلمون بخدمات الهيئة.

فما هي العوائق التي تمنع امتداد هذا التطور الى ينبع البحر ولماذا لا تكون هناك لجان مشتركة وميزانية موحدة، ولماذا لا تساهم هيئة ينبع في تطوير الخدمات في ينبع البحر.

فالفروقات بين التطور في الهيئة والعشوائية في ينبع البحر واضحة يلمسها القادم الى ينبع منذ دخوله من الطريق السريع. فما ان تحاذي الهيئة الملكية يلفت انتباهك الارصفة الانيقة والمزروعات الجمالية والورود التي ترامت باشكال فنية بديعة والصيانة المتميزة للطريق، والاشارات الاليكترونية المنظمة والاشكال الجمالية عند كل تقاطع وما ان تنتهي من محاذاة الهيئة وعلى امتداد نفس الطريق تبدأ العشوائية فالاشارات المرورية الالكترونية في بداية الطريق تحولت الى اشارات تقليدية يعلوها الصدأ والارصفة الراقية والمناظر الجمالية اختفت وتحولت الى بقايا منفرة واختفت الورود والاشجار والمحلات القديمة ولوحاتها المتناثرة انتشرت على جانبي الطريق وتراكم النفايات واضح وسمة اساسية للمكان والمباني المهجورة تخدش الرؤيا في كل اتجاه رغم ان الطريق كان جميلاً في بدايته.

واذا كان الطريق الرابط بين الهيئة وينبع بهذه الصورة فكيف حال الخدمات الاخرى.. وربما تكمن الاجابة في ان الطريق تتولى مسؤولية نصفه (الجميل) الهيئة، اما نصفه (المشوه) فتتولاه البلدية.

فلماذا لا تتحد الرؤى وتتوحد الاستراتيجيات التخطيطية وتتعاون الهيئة والبلدية بما يخدم المنطقة او على الاقل يكون هناك تنسيق بين الطرفين.

هذا التساؤل اجاب عليه مدير بلدية محافظة ينبع المهندس عبدالعالي الشيخ بقوله: التنسيق بين البلدية والهيئة افضل حالياً من السابق فهناك حرص على استمرار وتطوير الاليات فيما بيننا ويجب ان لا ننسى ان الهيئة والبلدية تحاولان استثمار صلاحياتهما ومسؤولياتهما لصالح خدمات المواطن.

اما بالنسبة لتردي مستوى النظافة والحاويات في ينبع فهناك مشروع جديد لنظافة ينبع بالكامل اما المنازل المهجورة والقديمة فقد بدأت البلدية ازالتها واكد الشيخ ان هناك مرحلة جديدة للتخطيط والرؤى والاهداف تجاه ينبع ستساهم في حل كثير من الاشكاليات التي تواجهها.

العديد من مواطني ينبع يتطلعون الى تحقيق الاهداف التي اعلنها رئيس البلدية الجديد ويعتقدون ان الاهم حل قضاياها المتجذرة اولاً وهي عدم التخطيط المرحلي والعشوائية في الخدمات وفقرها.

ينبع ليه

وقد حاولت وعلى غرار المدن الاخرى بالمملكة استقطاب السياح بمهرجان اطلقت عليه اسم (ينبع ليه) وهذا السؤال الذي اثاره المهرجان يجعلنا فعلاً نسأل ينبع ليه؟. فينبع زاخرة بكل مقومات السياحة والتراث العريق. وحسن الضيافة والسواحل الجميلة التي تتيح نجاح اي مهرجان او فعاليات ترويجية لكن جميع هذه المقومات (طبيعية) بالاساس وتظل بعيدة عن الاستثمار حتى تتوفر مقومات اخرى مهمة فالمهرجان يحتاج الى مقومات مادية وبنى سياحية من فنادق عالية المستوى الى شواطئ نظيفة، ومطاعم فخمة، واستراتيجية تطويرية محددة للسياحة فالمهرجان محكوم بالاجتهادات وشح الدعم وضعف الانشطة فكراً ومفهوماً.

فينبع تحتاج الى حملة اعلامية ودعائية متكاملة لا تبدأ وتنتهي ببداية ونهاية المهرجان ولكن تستمر لتعرف بمقوماتها وطبيعتها وسحرها الخلاب.

وينبع تحتاج الى برنامج متكامل لتنظيف شواطئها وتهذيب حدائقها. وتوفير الخدمات التي تحتاجها الشواطئ والاماكن السياحية.

مقومات بشرية

ومن بين العناصر التي يمكن ان تساهم في تطوير السياحة في ينبع الاستغلال الامثل للامكانات البشرية الهائلة بها والتراث العريق الذي قل ان تجد من يحافظ عليه مثل ابناء ينبع فهم قادرون على اظهاره لزوار وسياح ينبع من اهازيج بحرية وانغام ينبعاوية وحتى (التسنيدة) ورحلات الصيد ورجوع الصيادين. واهازيج ابناء ينبع النخل وتراثهم العريق. فينبع لا تحتاج الى مهرجان ولكن تحتاج إلى منظومة سياحية متكاملة، وعدة مهرجانات وأنشطة ودعم مادي وخدمات في ظل توفر ما تحتاجه النهضة السياحية من كوادر بشرية ومقومات طبيعية.

البطالة الينبعاوية (ليه)

كان من الأحرى أن نسأل البطالة ليه في ينبع بدلاً من نسأل أولاً (ينبع ليه ) لأنه لا يمكن أن تتخيل أن معدلات البطالة في منطقة ينبع بشكل عام مرتفعة في ظل وجود الهيئة الملكية وشركاتها العملاقة. آلاف الوظائف بها التي تسيطر عليها العمالة الوافدة بشكل واضح وإذا كان (زيفا) أن كوادر ينبع غير مؤهلة فنياً لشغل الوظائف. فلماذا نجد الآلاف من الوظائف غير الفنية (مشغولة) بعمالة وافدة خصوصاً وان هناك المئات من شباب ينبع يستجدون الوظائف في هذه الشركات التي امتلأت وظائفها الإدارية بالعمالة الوافدة التي يتوافر لها السكن الملائم والعلاج اللازم. وبدل النقل الذي تحتاجه.

يقول محمد الجهني احمل شهادة الثانوية العامة ومتخرج منذ أكثر من عامين وتقدمت إلى أكثر من 7 شركات بالهيئة حتى لو كان العمل (مراسلا) ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل، والأمر الغريب أن من أخذ ملفي في (3) شركات تقدمت إليها موظفون (أجانب) يبتسمون في وجهي وكأنهم لا يوظفوني.

وهنا يطرح المجتمع الينبعاوي تساؤلاته العديدة عن أولوية الوظائف في الهيئة، واحقية الشباب (العاطل) في ينبع بها، وأولوية التوظيف لهم. بدلاً من رحيلهم إلى مناطق أخرى بحثاً عن وظيفة.

يقول محمد الصيدلاني لعلنا لا نبالغ عندما نقول إن العديد من الشركات في هيئة ينبع لا تقوم بتوظيف أبنائها إلا فيما ندر وفي هذا ما يفسر ارتفاع مستوى البطالة بين الشباب في محافظة ينبع وقراها رغم وجود الهيئة وشركاتها العملاقة في احضانها.

ان جميع سكان ينبع يعرفون ويعون أن ارتفاع مستوى الجريمة والسرقات عائد لارتفاع نسبة العاطلين عن العمل من الشباب.

وهذه قضية حيوية يجب ان تتبناها المحافظة ومجلسها الموقر، لأن المشكلات الاجتماعية من صلب مهامها. ويجب أن يناقش هذا الموضوع مع رئيس الهيئة، وتشكل لجنة مشتركة بين الطرفين للتوظيف، وإعطاء الأولوية لأبناء ينبع ورفع معدلات السعودة في هذه الشركة التي توفر للعمالة الأجنبية ما تحتاجه وترفض حتى (النظر) في توظيف الشباب السعودي.

مسفر الغامدي (نائب المدير العام للتشغيل والصيانة في الهيئة الملكية بينبع) علق على هذا الموضوع بقوله ان عدم توظيف شباب ينبع تهمة غير صحيحة فهناك المئات منهم في كافة الشركات وهذا لا يعني أننا لن نستمر في توظيفهم. أما بالنسبة للتنسيق بين الهيئة الملكية والمسؤولين في ينبع في تقديم الخدمات فالهيئة قدمت العديد من الخدمات لينبع البحر وأنشأت العديد من الطرق وتولت صيانتها. ونحن مستمرون في تقديم كل ما تحتاجه منا المحافظة وفقاً لحدود عملنا وصلاحياتنا.

روتين المحافظة

وفي ظل هذه المتناقضات ورغم ان هذه القضايا متداولة ومعروفة بين جميع أفراد المجتمع الينبعاوي إلا أن الملاحظ ان الروتين والسلبية التي تتمسك بها محافظة ينبع تركها غافلة عن تبني الاشكاليات التي يواجهها المجتمع الينبعاوي وشبابه بالذات.

فالدور المأمول من المحافظة في إحداث حراك ونشاط سياحي وحيوي وتبني قضايا المجمع لا زال محكوماً بالروتين، والاقتراحات والأفكار والرؤى التي يقدمها أبناء المحافظة تظل حبيسة (التقليدية) أو الاطلاع بدون أي توجيهات تنفيذية أو آليات سوى طلب الإفادة.