[align=center]
كنت أتجاذب أطراف الحديث مع الأستاذ طه بخيت وحين تطرقنا إلى اللغة سألني ماذا تعرف عن ( المسألة الزنبورية ) قلت لا أعرف شيئا .. قال أنها مسألة مشهورة في النحو
ولأن الأديب والشاعرواللغوي الضليع أبو عماد لا يلقى الكلام جزافا فقد طفقت أبحث عن المسألة الزنبورية في ثنايا ( جوجل ) المرجع القريب .. فلم أجد فيه ما يشفي غليلا بيد أني وجدت أنها إحدى مسائل الخلاف بين أهل الكوفة وأهل البصرة المدرستين الشهيرتين في علم النحو وتذكرت أن لدي كتابا للإمام الشيخ أبي البركات الأنباري يتحدث عن مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين اسمه ( الأنصاف ) فبحثت فيه وإذا المسألة مفصلة كما يلي
[/align]
المسألة الزنبورية
[align=justify]
حضر سيبويه في مجلس يحيى بن خالد وعنده ولداه جعفر والفضل ومن حضر بحضورهم من الأكابر فأقبل خلف الأحمر على سيبويه قبل حضور الكسائي فسأله عن مسألة فأجابه سيبويه فقال له الأحمر أخطأت ثم سأله عن ثانية فأجابه فيها فقال له أخطأت ثم سأله عن ثالثة فأجابه فيها فقال له أخطأت فقال له سيبويه هذا سوء أدب
قال الفراء فأقبلت عليه وقلت إن في هذا الرجل عجلة وحدة ولكن ما تقول فيمن قال ( هؤلاء أبون ) و ( مررت بأبين ) كيف تقول على مثال ذلك من( وأيت) و ( أويت ) فقدرفأخطأ فقلت أعد النظر فقدر فأخطأ فقلت أعد النظر فقدر فأخطأ ثلاث مرات يجيب ولا يصيب فلما كثر ذلك عليه قال لا أكلمكما أو يحضر صاحبكما حتى أناظره
قال فحضر الكسائي فأقبل على سيبويه فقال تسألني أو أسألك فقال بل تسألني أنت فأقبل عليه الكسائي فقال كيف تقول ( كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي ) أو ( فإذا هو إياها ) فقال سيبويه فإذا هو هي ولا يجوزالنصب فقال له الكسائي لحنت ثم سأله عن مسائل من هذا النحو نحو: (خرجت فإذاعبد الله القائمُ أو القائمَ ) فقال سيبويه في ذلك بالرفع دون النصب فقال الكسائي ليس هذا من كلام العرب والعرب ترفع ذلك كله وتنصبه فدفع ذلك سيبويه ولم يجز فيه النصب
فقال له يحيى ابن خالد قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما فمن ذا يحكم بينكما فقال له الكسائي هذه العرب ببابك قد اجتمعت من كل أوب ووفدت عليك من كل صقع وهم فصحاء الناس وقد قنع بهم أهل المصرين وسمع أهل الكوفة والبصرة منهم فيحضرون ويسألون فقال له يحيى وجعفر قد أنصفت وأمر بإحضارهم فدخلوا وفيهم أبو فقعس وأبو زياد وأبو الجراح وأبو ثروان فسئلوا عن المسائل التي جرت بين الكسائي وسيبويه فوافقوا الكسائي وقالوا بقوله فأقبل يحيى بن سيبويه فقال قد تسمع
وأقبل الكسائي على يحيى وقال أصلح الله الوزير إنه وفد عليك من بلده مؤملا فإن رأيت أن لا ترده خائبا فأمر له بعشرة آلاف درهم فخرج وتوجه نحو فارس وأقام هناك ولم يعد إلى البصرة
فوجه الدليل في هذه الحكاية أن العرب وافقت الكسائي وتكلمت بمذهبنا ( والكلام للأنباري ) وقد حكى أبو زيد الأنصاري عن العرب ( قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو إياها ) مثل مذهبنا ، فدل على صحة ما ذهبنا إليه
وأما من جهة القياس فقالوا : إنما قلنا ذلك لأن " إذا " إذا كانت للمفاجأة كانت ظرف مكان والظرف يرفع ما بعده وتعمل في الخبر عمل وجدتُ لأنها بمعنى وجدتُ
وقد قال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب إن " هو " في قولهم ( فإذا هو إياها ) عماد ونصبت " إذا " لأنها بمعنى وجدتُ على ما قدمناه .
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا أنه لا يجوز إلا الرفع لأن " هو " مرفوع بالابتداء ولا بد للمبتدأ من خبر ، وليس هاهنا ما يصلح أن يكون خبرا عنه إلا ما وقع الخلاف فيه فوجب أن يكون مرفوعا ولا يجوز أن يكون منصوبا بوجه ما فوجب أن يقال ( فإذا هو هي ) فهو راجع إلى الزنبور لأنه مذكر و" هي " راجع إلى العقرب لأنه مؤنث
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما ما رووه عن العرب من قولهم ( فإذا هو إياها ) فمن الشاذ الذي لا يعبأ به كالجزم بلن والنصب بلم وما أشبه ذلك من الشواذ التي تخرج عن القياس ، على أنه قد روي أن الكسائي قد أعطاهم جعلا على متابعته فلا يكون في قولهم حجة لتطرق التهمة في الموافقة
[/align]
والبحث طويل جدا ولكن ما سبق هو خلاصته ، وأنا أميل إلى ما رآه سيبويه فنحن أبناء هذه المدرسة البصرة ومنها دراستنا التي تعلمناها في النحو
وسيبويه إمامنا في هذا المجال
مع شكري لأديبنا الكبير وتمنياتي بالتوفيق للجميع
المفضلات