«فن التاريخ فن عزيز المذهب، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا» هذه العبارة عن المعرفة التاريخية لابن خلدون، استعدتُّها عندما كنتُ أتأمل تاريخ الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، الذي أمضى في الحكم سبع سنوات، كان من جرائها حدوث تحولات تنموية متعاقبة، في شتى أرجاء المجتمع السعودي، حيث وضع الموارد والإمكانيات لتطويره، فضلاً عن أن الملك خالد التزم بمراعاة المصالح العليا للوطن، والمجتمع أفراداً وجماعات، وتحلّى أداؤه بالمصداقية، ومن ثم أكد الواقع السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي للمجتمع السعودي، صحة ما أقرّه الملك خالد من برامج تنموية، في عالم يتزايد فيه الاعتماد المتبادل.
فقد وصف معالي الشيخ ناصر بن عبدالعزيز الشثري (المستشار بالديوان الملكي) حياة الملك خالد بأنها «تُشبه إلى حد بعيد حياة الرعيل الأول من خلفاء المسلمين، الذين حكموا فعدلوا فأمِنُوا، والذين كانوا لا يخشون إلا الله، وكانت مصالح المسلمين دائماً محل اهتمامهم، ورعايتهم ليلاً ونهاراً وذهب إلى «أنه واحد منهم» وعزا ذلك إلى نشأته منذ صغره التي «كانت مليئة بالقيم الإسلامية والمُثُل العربية الأصيلة».
وروى معالي الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي (وزير العمل) أنه في أول اجتماع لمجلس الوزراء بتشكيلته الجديدة سنة 1395هـ (1975م) وجّه الملك خالد حديثه إلى الوزراء الجدد قائلاً: «اهتموا بالضعفاء، أما الأقوياء فهم قادرون على الاهتمام بأنفسهم» وبذلك انتعشت أحوال الضعفاء، وأُعطوا وزنهم المطلوب الذي استدعاه دولة متصالحة مع واقعها، ومتكيِّفة مع علاقاتها الداخلية والخارجية.
ما السمات البارزة في حياة خالد بن عبدالعزيز؟ أجاب على السؤال الوزير القصيبي في عبارات موجزة: «كان يكره الإجابات الملتوية، وكان لا يرتاح إلى إنسان يعتقد أنه يُظهر غير ما يُبطن، وكان أبعد الناس عن التكلُّف والتصنُّع، وكان المتكلفون والمتصنعون بفئاتهم وأنواعهم أبعد الناس عن قلبه، وكان يُكنّ نفوراً شديداً من المغرورين». أما أهم مسؤوليات خالد بن عبدالعزيز بوصفه حاكماً فهي -وفقاً للدكتور القصيبي- «إقامة العدالة، وإنصاف المظلوم» وكانت أولوياته الكبيرة موضوع الأمن، إذ رأى أنه «لا يمكن للاستقرار أن يدوم، إلا إذا أمِنَ الضعفاء شر الأشرار». ولم يكتف الملك خالد بذلك بل «كان يتابع شخصياً أخبار كل جناية قتل تُرتكب، ولا يهدأ له بال إلا إذا عرف أن المجرمين تم القبض عليهم». رآه الدكتور غازي القصيبي مرة واحدة ثائراً في وجوه المراجعين، والسبب «كانوا يطلبون منه العفو عن مجرم أدانته المحكمة»، ولكنه أبى ورفض لأنّ «إنفاذ الحدود الشرعية، كان عنده فريضة دينية تعلو على أي اعتبار آخر».
البحث في تاريخ الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله- تجعل الباحث يقف على كم هائل من المعلومات من أفواه الذين عرفوه، وجمعها يُشكّل متكأ رئيساً في العلاقة بين الدولة والمواطن، التي اتخذت أشكالاً وتموضعات مختلفة، وأوجدت مُناخاً من التضامن على صعيد استكمال عملية البناء المؤسسي والوطني
المفضلات