المحطة الأولى:-


*تحرك نامي من نومةٍ عميقة في ليلة ربيعية تهامية بعد أن لامست أذنيه عبارةٌ شجيةٌ من مؤذن الحي لصلاة الفجر ((الصلاة خير من النوم))

نعم الصلاة خير من النوم !!!!،

*انتهى الأذان فسها الصبي في غفوةٍ لا ارادية وإذا بصوت والدته:-

نامي قِمْ يا نامي عَجِّل الصلاة قامت. لايفوتك الفلاح !!!!!!

*هب فزعا ليدرك من الصلاة الركعة الثانية مع امام الحي .

*أكمل مافاته عَجِلاً بطريقة طفولية بريئة معتادة من ابناء القرى المحافظين على اداءها منذ السابعة من اعمارهم كما عوَّدهم اباؤهم عليها عملا بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام (مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع).

*سلَّم من صلاته وقفل مسرعا للمنزل ، وصوت إمام الحي ملء أذنيه وهويردد مستغفرا في مجلس صلاته (استفغر الله استغفر الله استغفر الله يالله اليوم على بابك ما خاب طلابك اصبحنا واصبح الملك لله )

*يصل المنزل فتتواصل بمسامعه تمتمات والدته في مصلاها بالمنزل (يالله يا كافي سترك الضافي علينا وعلى من حوالينا ) بعبارات عفوية تنم عن فطرة سليمة خالط التوحيد دماءها.

*يتدثر بلحافه مكورا جسمه بشكل عفوي مرتعشا من نسمات الصباح الربيعية الباردة ليغتنم ملء جفنيه نومه قبل موعد الذهاب للمدرسة (السَّرْحة) بلغة اهل القرية من سرح يسرح فهو سارح أي منطلق الى وجهته التي يقصدها صباحا او في أول النهار وهي الغدوة وضدها الرواح بعد الظهيرة أي الأوبة بعد البكور .

*لم تكتحل عيناه بالنوم الا وصوت والدته يزلزل في اذنيه الصغيرتين (نامي قم ياميت القلب ) قم هيا فك الريق (الافطار) واسرح السرحة فرحة يا وليدي قم .


*كان لهذه الكلمات وقعا في نفسيته ووجدانه فهي اشد من جلد السياط .

* تناول قطعة خبز من دخن قد اعدتها والدته مع جفافها وخشونتها ساخنة من لهب تنور أُوقد بحطب السمر (الدوح) وقد عركتها بشيء من سمن قليل .

*انطلق وقرع سياط قم ياميت القلب تلهب نشاطه وتلسع وجدانه كلما شرد ذهنه مسترجعا الشريط الصوتي لدعوات الامام وتمتمات والدته (اذكار الصباح) !!!! فقد حفظها عن ظهر قلب لتكرار سماعه لها منهما كل يوم منذ إدراكة .


*واصل مسيره وقد اختلط بمسامعه شقشقات العصافير واستقبله عبير نسمات المزارع مع الصبح النّدي وهو يتنقل ببصره بين زهرها ووردها واصناف الفل وانواعه شتى .

* انتهت خطواته إلى ظل سمرة كبيرة(شجرة الدوح) بجوار مبني المدرسة اعتاد هو ولدّاته من أطفال القرية الدارسين المكوث بها حتى حين بداية الاصطفاف الصباحي لطلاب المدرسة في فناء العراء سمي فناء تجوزا والا فهو متاح لكل غادٍ ورائح . يمر بجواره الجادون وأهل الفضول ،ومنهم من يتوقف يمتع ناظريه بمشهد التمارين الصباحية للطلاب ولا يتحرك حتى يتوارى الاطفال في الفصول!!!

*شب نامي على هذا المنوال واشتد عوده وتفوق في الحصول على شهادة اتمام الدراسة الابتدائية.

*ماذا بعد ؟؟؟؟؟
هل يطلب العمل بهذه الشهادة فلها وزنها في ذلك الزمان حتى ان بعض الحاصلين عليها من قبلهم يعين معيدا لمزاولة التدريس بمدرسته القروية لندرة المعلمين.

للحديث صلة