بقلم فارس بن حزام00 جريدة الرياض 17/12/1426هـ
.. وهي ملتقيات الحوار على الانترنت المصممة والمستغلة من خلايا «القاعدة»، وهي الوسيلة الأنجع «قاعدياً» حتى الآن.
منذ أن أشرقت شمس الانترنت علينا قبل أقل من عقد، وقد صادفت خروج يوسف العييري - مؤسس القاعدة في السعودية - من السجن عام 1998، والتنظيم يهيئ نفسه للتشكل عبر منتديات الانترنت، ويتذكر روادها كيف كان صوت «الجهاد» عالياً فيها، بدءاً من التثقيف وثم التحريض والتجنيد.
العامة من رواد المنتديات يرون في منتديات الساحة العربية منبراً يخدم «القاعدة»، وقد صارت هذه الرؤية سمة ملازمة ل«الساحة العربية»، رغم ابتعادها التام عن التنظيم وكوادره، والسبب في خلق هذه السمة هو مشاركة مجموعة من المطلوبين في الكتابة باستمرار في هذا المنتدى، ولعل عبدالعزيز العنزي، وهو أحدهم، وقد عرف بكنية «أخو من طاع الله»، هو أحد نجوم «القاعدة» في الموقع لفترة ما.
«الساحة العربية»، واسمها الدارج شعبياً «الساحات»، تميزت أولاً بأنها الأكثر شعبية ورواجاً بين كل المنتديات، وإن سيطر عليها المتدينون، ولكن متابعيها من غير المتدينين أكثر، وكل من يحب متابعة هذا المنتدى للقراءة والاطلاع لا يتنازل عن زيارته بين فترة وأخرى، لا يستطيع أن يتجاهله، ولكنه على مقدرة ليغيب فترة عن منتدى آخر، فلقد تحول، نوعاً ما، إلى مصدر لقياس الرأي العام، حتى وإن كان رأياً مشوشاً.
إن شهرة الموقع ورواجه صارا نقمة أمنية على كوادر «القاعدة» وعشاقها، فبعد أن كانوا يستغلون الموقع في تمرير أفكارهم وإشاراتهم، والتشجيع، اكتشفوا تساقط بعضهم واحداً تلو الآخر، فعدلوا عنه إلى مواقع أخرى منزوية، منتديات غير معروفة، بعضها مؤسس في أوروبا وأخرى في سوريا، منتديات لا يزورها في اليوم الواحد إلا مئة شخص، فهل سمعتم ب«منتديات الماجد»؟
وتأكيداً على أن المنتديات العامة صارت نقمة أمنية، فإننا نلاحظ غياب «أخو من طاع الله» عن منتدى «الساحات» بعد أن تغلغل داخل «القاعدة»، فلم يشارك منذ أن اختفى من منزله في الرياض، ومثله البقية كمحمد السويلمي وعبدالرحمن المتعب - أحدث القتلى.
وجد «القاعديون» تلك المنتديات الجديدة مكاناً هادئاً للتواصل عبر الرسائل الخاصة داخل البريد. ولغير العارفين بأجواء المنتديات، فهناك خاصية للمشتركين تمكنهم من المراسلة الداخلية، بين عضو وآخر - هذه الخاصية لا توفرها «الساحات» -، وفي حالات عدة حققت مكاسب للتنظيم؛ لأن مثل هذه المراسلات يصعب اختراقها إلا باختراق المنتدى، وهذه عملية صعبة عندما يكون المنتدى مجهولاً، والعلم باسمه مقتصر على دائرة ضيقة من رواده، وهم كوادر «القاعدة».
مراقبة تلك المواقع الصغيرة تكشف بين فترة وأخرى انحسار المشاركات، وغياب الأسماء، ويحدث ذلك بعد كل عملية أمنية تقضي على مطلوبين، وفي حالة واحدة تجمد موقع بعد مقتل صاحبه.
هناك من يتساءل عن صعوبة السيطرة على تلك المواقع، وبصورة أخرى فرص الكشف عن الشخصيات المشاركة فيها، وتحديد جغرافيتهم، فهؤلاء المشاركون يعلمون أن نشر موادهم في الموقع، من خلال الأجهزة المشغلة في مواقع سكنهم أو عملهم، ستقودهم إلى التهلكة، عرفوا بذلك بعد أن تساقط منهم المبتدئون، وبعدها بدأوا في تداول مادة موجزة، عبارة عن «روشتة» تحذيرية للتعريف بالظروف الأمنية المحيطة بمستخدم الانترنت من «الإخوة المجاهدين» أو «الإخوة الأنصار».
المشارك في هذه المواقع يجهز مادته، التي يريد تقديمها، ويحفظها على قرص يأخذه معه إلى مقهى يقدم خدمة الانترنت، شريطة أن يكون في حي بعيد عنه، ويفضل مدينة مجاورة، ولا يمضي في المقهى سوى 3 إلى 5 دقائق، هي مدة تشغيل الجهاز وإضافة المادة إلى الموقع، وما أن تلتقط أجهزة الرقابة الإشارة، لتحديد جغرافية الموقع الذي استخدمه المشارك المشبوه، ولكي تنتقل إليه الفرقة الأمنية، حتى يكون المشارك قد ابتعد إلى مكان آمن.
حالات بسيطة انتهت إلى غير ما أراده «القاعدي» في التمويه على الأمن، أذكر منها ما حدث العام الماضي في بريدة، عندما وقع أحدهم تحت قبضة مجموعة من رجال الأمن، حين كان يقوم بزيارة قصيرة للمقهى لإضافة مادة إلى موقع على الانترنت، فاشتبك معهم واستخدم قنبلة صغيرة كان يخبئها في ملابسه، فأصاب ستة من الجنود قبل أن يسقط مصاباً.
الضربات المستمرة لخلايا «القاعدة» في البلاد عملت على فصل كل خلية عن الأخرى، فأحدثت انقسامات كبيرة وسط التنظيم، وجعلت من الصعوبة بشيء أن تعود خلية للاتصال بأخرى، نتيجة للتبديل المستمر للهواتف المستخدمة - بطاقات سوا مسبوقة الدفع الوسيلة الأكثر جدوى لهم، لكن قلة تمكنت من معاودة التواصل عبر منتديات الانترنت، وتحسباً للاختراق، جعلوا بينهم «كلمة سر» تطمئن «الأخ» على الطرف الآخر بعد التثبت من «أخوة» المرسل.
المفضلات