دع القلق وابدأ الحياة
تأليف : دايل كارنيجي
* دراسة وتعليق: حنان بنت عبد العزيز بن عثمان بن سيف
الطبعة: المكتبة الثقافية بيروت لبنان
القلق مرض عضال، قلما ينجو منه أحد، وهو سبب دفين وكامن وراء كثير من الأمراض الجسدية والنفسية، وقد درج علماء الطب النفسي على معالجة القلق دوائيا وسلوكياً، والدوائي كما هو غير خافٍ على القارئ الكريم عبارة عن عقاقير دوائية يتناولها المصاب بالقلق بين حين وآخر من أجل تخفيف حدة القلق والحرقة النفسية التي يشعر بها، وأما الجانب السلوكي وهو الذي نحن بصدده الآن فهو يعالج القلق عن طريق تبصير المريض وتنوير عقله، وهو يشرح ويتناول حقائق منطقية يقنع المريض بها، ثم يفرض عليه العمل بها، موظفاً إرادته وعزيمته، ولعل هذا الجانب من العلاج يكون هو الأكثر فعالية في اختراق نفسية القلقين، وقلع جذور توترهم وقلقهم.وأنت معي أيها القارئ الكريم نقف سوياً على عتبة الماضي، وبوابة المستقبل لا نملك من أمرها شيئاً، فالماضي مضى ولا نملك تغييره، والمستقبل آتٍ لا نعلم من أمره قليلا أو كثيرا، لكن الحاضر هو الوتر الحساس والذي نستطيع الضرب عليه، ونملك تغييره، وتحسين وضعه، إذاً لمَ القلق والتوتر في أمر مضى وفات وانتهى؟ ولمَ التحفز والتوثب والقلق على أمر آت ومستقبل؟ ولنعش أيها القارئ الكريم هذا اليوم، وأقول: اليوم فقط، بحلوه، ومره، وسعادته وشقائه، هذا الموضوع بعينه يطرحه كتاب «دع القلق وابدأ الحياة» وعنوانه قوي جذاب، وفحواه القلق ومقاومته، ونبذ التوتر، وإدارة عجلة الحياة، ويروي الكتاب في ثناياه قصصاً كثيرة لأناس مرموقين نبذوا القلق، وخلفوه وراءهم، واستلهموا القوة من اللّه، ثم استأنفوا حياتهم بجدارة ونشاط، يقول مؤلف الكتاب تحت عنوان حقائق عن القلق «من الحقائق المذهلة والثابتة معا، أن أكثر من نصف أسرة المستشفيات يشغله أناس مرضى بالإرهاق العصبي الذي منشأه القلق، أفليس من الأجدر بهم لو كانوا يتمتعون بطلاقة الشمس والريح في شوارع مدنهم وقراهم، ولكنهم لم يعوا قول السيد المسيح: «لا تهتموا للغد» ... فكان من جراء جهلهم هذا أن التجأوا إلى أسرة المستشفيات»، إن كل شخص من عشرة أشخاص في أمريكا مهدد بالانهيار العصبي، ومرجع ذلك على العموم هو القلق، ولهذا تراني اطرق بابك أيها القارئ الكريم واحذرك، والخوف يسبب القلق، والقلق يولد أعصاباً متوترة، وهو ينهك أعصاب المعدة، وتنقلب عصارات المعدة الهاضمة إلى عصارات سامة، والقلق إلى جانب قرحة المعدة يسبب أمراضاً حقيقية كثيرة كعسر الهضم، واضطرابات القلب، والأرق، بل وحتى بعض أنواع الشلل، وقد عانى مؤلف هذا الكتاب دايل كارنيجي من قرحة المعدة اثني عشر عاماً، ثم اكتشف بخبرته كطبيب أن القلق هو السبب فيها، فيقول: «وأخيرا وجدت أن القلق هو السبب الأصيل الذي كنت أعاني منه، فتركت القلق، وها أنا لم أعد أشعر بالألم وأرى نفسي أتماثل للشفاء». ويعتبر الاسترخاء والترفيه دواء فعالا للقلق، فعلى الإنسان أن يرفه عن نفسه، ويسترخي قدر الإمكان، وينال قسطا من الراحة والنوم في أوقات الفراغ، وعليه أن لا يتطلع إلى الجوانب التعيسة من الحياة، بل ينعم بمباهجها، ويستغل أفراحها.
وطرق المؤلف في كتابه هذا ثلاثين فصلاً عنون لها بعناوين مشوقة ومعبرة، ومن نواحي جمال الكتاب مئات القصص التي رويت فيه، وهي من باب ضرب المثل، وسياق الشاهد، لتثبيت الفكرة، والسير بالقارئ جنبا لجنب ليقتنع بالفكرة، ثم يشحذ إرادته من أجل تطبيقها، ومن جاذبية الكتاب أيضا ما حكاه المؤلف عن جوانب هامة وحساسة من جوانب حياته وتنشئته وتعليمه ثم وصوله إلى مرحلة النضج والاستواء ، ويظهر فيه تلك المعلومات الهامة، والحقائق العلمية والمنطقية والتي جيء بها في الكتاب، ثم نشاط المؤلف في إجراء مقابلات كثيرة مع رجالات العالم المرموقين في نواح علمية، ومجالات حياتية متعددة، وذلك من أجل خدمة كتابه، وتقوية جانب الحجة والبرهان والاستدلال فيه، ولغة الكتاب التي تُرجم إليها وهي العربية لغة جيدة ومترابطة، وحاول مترجمو الكتاب المقاربة الشديدة بين لغة الكتاب الأصلية واللغة العربية التي نقل الكتاب إليها، وهذا المجهود الذي بذل في ترجمة الكتاب مجهود رائع مشهود، وله دور بارز في تقريب الثقافيات، والمزاوجة بين المعارف الغربية، والعلوم العربية، ولا يسعني في نهاية المطاف إلا التأكيد على القراء بإعادة قراءته مرات عديدة، وهي نصيحة المؤلف التي أسداها إلينا.

(1) المدلة : الاهتداء في الطريق إلى المكان الخصب وفورة الماء وغير ذلك مما يحتاج الوصول إليه إلى دلالة أو دليل.

http://www.4shared.com/file/7482998/.../__online.html