[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
قلوب تخفق، وعيون قد صبغها طول السهر باللون الأحمر، ودعوات حارة تنساب من سويداء الأفئدة، وخيال يسبح في الزمن القادم
كل هذا ويزيد: أعراض حدث ضخم يطرق أبواب كثير من بيوت المجتمع، فتعلن حالة الطوارئ، ويكون القلق هو سيد الموقف إنها الامتحانات، التي يخوض غمارَها فلذاتُ أكبادنا، يحدوهم الأمل في أن تسفر هذه الامتحانات عن إجازة للعبور إلى المستقبل المشرق.
هذا الحدث الهام تقديراته نسبية، فلكل طالب تجاه هذا الحدث نظرة أو زاوية رؤية معينة، وتتفجر لدى كل منهم مشاعر مختلفة بينها اتفاق واختلاف، وتختلف كذلك درجة الاهتمام بهذا الضيف من طالب لآخر, إذاً هذا الحدث من الأهمية بمكان، فينبغي أن يكون تفاعل الطالب على مستوى هذا الحدث، وكان لزاماً أن يحسن الطالب التعامل معه، وأن يستفيد منه أعظم استفادة، وهو ما سوف نسعى إلى بيانه عبر هذه الوقفات التي نرجو أن تؤتي ثمارها ليس فقط في نطاق التوفيق في الامتحانات، وإنما الهدف أشمل وأعمق من ذلك، يصنعه ذلك التداخل والتوافق بين أمور الدنيا والدين، والذي هو من أجل سمات هذا الدين، فإلى كل طالب:
وقفة: مفتاح التوفيق
زاد المسير، ومطية الأسفار، وعماد النجاح، إنه التوكل على الله تعالى، تلك العبادة الجليلة، والتي لا بد وأن تكون زادك في هذه المرحلة وكل مرحلة، ولله در ابن القيم رحمه الله إذ يبين عظم أمر التوكل فيقول: (التوكل نصف الدين، والنصف الثاني الإنابة, فإن الدين استعانة وعبادة, فالتوكل هو الاستعانة, والإنابة هي العبادة).
ولا ألفينك أيها الحبيب تتخطى بناظريك هذه السطور، وتزهد فيها لكونها معنىً مجرد، فإننا إن فكرنا بهذا المنطق، نكون قد تخلينا عن فرق جوهري بين فكرنا, وفكر أهل الملل الباطلة والعقائد الزائغة.
إننا كمسلمين لا بد وأن نعي جيداً قيمة التوكل على الله، إنه ليس عبادة فحسب، ولكنه ترجمة حقيقية لصلة العبد بربه، يعكس مدى تعلق القلب به سبحانه محبةً ومعرفةً وإخباتاً، لذلك كان عاقبة المتوكلين: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (3) سورة الطلاق, فهل هناك ما يضمن النجاح للعبد أفضل من كفاية الله إياه؟!
واعلم أخي الطالب, أن الله تعالى وعد من فوض أمره إليه, وألجأ ظهره إليه, وتوكل عليه حق التوكل؛ بما تتوق أنت إليه في هذه الأيام: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} (2) سورة الطلاق, ألا تريد أن يجعل الله لك مخرجاً من هذا الأمر الجلل، ثم : {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (3) سورة الطلاق، ولا تتعجب, فالفهم وقوة الحفظ وثبات المعلومة, هو رزق من عند الله يؤتيه من يشاء، فإذا أردت هذا الرزق؛ فعليك بالتوكل، ففي الحديث: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا)) [صححه الألباني].
وحذار أيها الحبيب من العبث بمعاني التوكل، فإن كنا نهيب بك ألا تركن إلى الأسباب وتعتمد عليها، فلا يعني ذلك أن تتجاهلها، فإن ذلك يعد تواكلا لا توكلاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا المعنى الصحيح للتوكل في قوله لصاحب الناقة: ((اعقلها وتوكل)) [حسنه الألباني]، فلا بد من مباشرة الأسباب، وانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: ((تغدو خماصًا وتروح بطانًا)), فقد ارتبط رزق الطير بغدوه ورواحه أي أخذه بأسباب الرزق, ولا يسوغ لمؤمن أن يتجاهل الأخذ بها اتكاءً على تقربه لله بالطاعة، فإن ذلك قدح في حقيقة التوكل, فحقيقة التوكل كما يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله: " صدق الاعتماد على الله عز وجل في جلب المنافع ودفع المضار مع فعل الأسباب التي أمر الله بها"
توكل عل الرحمن في كل حاجة ولا تؤثرن العجز يوماً على الطلب
ألم تر أن الله قال لمريم إليك فهزي الجزع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزها جنته ولكن كل شيء له سبب
وقفة: مع النية
كأني أراك على أعتاب الامتحانات تلمع عيناك وأنت تتجول بخيالك في عالم الغد، حيث المستقبل المشرق، وتحقيق الآمال والطموحات، وارتياد القمم.
وهذا بلا شك شيء إيجابي تستحق معه التقدير، ولكن أفلا أدلك على ما هو أثمن وأجمع لأطراف الخير؟, ما رأيك في أن يكون هذا النجاح, وهذه الطموحات, وهذا السعي للتفوق, سبباً لدخولك الجنة؟
أخي صدِّق ما قرأته عيناك، فإن ذلك من دلائل رحمة الله بك، حيث أعطى العبد إمكانية تحويل العمل المباح -الذي هو في الأصل لا يترتب عليه أجر- إلى طاعة وقربة لله، تُزَيَّن بها صحيفته.
وسبيلك إلى ذلك أن تنوي بعملك هذا نية صالحة، كأن تنوي بدراستك وسعيك للنجاح الحصول على شهادة تمكنك من الحصول على عمل تنفع به المؤمنين، كأن تكون طبيباً مثلاً تداوي مرضاهم وترعى أحوالهم الصحية، أو مهندساً تسهم في عمارة بلاد المسلمين, أو عالما من علماء الشريعة تنشر نور الوحي بين الناس, أو باحثا تساعد على تخفيف معاناة الناس وحل مشاكلهم........
وهذا امتداد لمنهج سلف هذه الأمة الصالحين، قال معاذ رضي الله عنه: (إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي), وقال الزبيد اليامي: (إني أحب أن تكون لي نية في كل شيء حتى في الطعام والشراب), والأمثلة أكثر من أن تحصى.
فتخيل معي أيها الحبيب، أن هذا القلق الذي يجتاحك الآن، وسهرك واحمرار حدقتيك، واهتمامك البالغ وسعيك المحموم، كل ذلك يكتب في صحيفتك ويوضع لك في ميزانك، فقط بأن تنوي نية صالحة، وعلى أثر هذا المنهج تكون حياتك كلها لله، لا يضيع منها شيء في غير مرضاته, فيكون شعارك: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (162) سورة الأنعام
وقفة: واسجد واقترب
إن التقرب إلى الله بالمحافظة على الصلوات، وبسائر الطاعات عموماً، لهو خير معين لك، فطاعته سبحانه وتعالى مجلبة للتوفيق والسداد، وتأمل معي تلك النصوص المباركة، تدرك آثار الطاعة وبركتها في قضاء الحوائج، وتيسير الأمور، والمساعدة على العلم والتحصيل، وإكساب المرء القوة النفسية والبدنية، وغير ذلك مما أنت في أمس الحاجة إليه في هذه الأيام على وجه الخصوص:
قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (4) سورة الطلاق, ألا تود أن ييسر الله لك تجاوز الامتحانات بتفوق؟ وقال تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} (282) سورة البقرة, فتقوى الله عز وجل سبيل للتحصيل العلمي القوي الفعال.
وقال تعالى على لسان نبيه هود: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} (52) سورة هود, فالطاعة إذا سبب القوة بكل صورها, وهو ما تحتاجه في هذه المرحلة وغيرها, والآيات في ذلك كثيرة بجانب النصوص النبوية, مما يلقى الضوء على آثار الطاعة وبركتها، فالزم طاعة الله تحظ برضوانه وتوفيقه، ولا تنس الدعاء، فمولاك يدعوك : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (60) سورة غافر, فالزمه, ولُذْ بالذي يقول للشيء كن فيكون.
وقفة: إياك وأشواك الطريق
إن كنت تبتغي السير على طريق النجاح حقاً فاتق أشواكه، فإنك إن وطَأْتَها أَدْمَتْك، وعرقلت مسيرتك، إنها الذنوب والمعاصي، والتي يستهين بها كثير من الخلق إلا من رحم الله.
وثمة أمر قلما يتنبه إليه مرتكب الذنب، إنه يظن أن عقوبة الذنوب لا تكون إلا في الآخرة، وهنا يلعب طول الأمل لعبته فيسهل عليه أمر المعصية.
كلا أيها الطالب، فلتعلم أن عقوبة الذنب تعجل للعبد في حياته قبل أخراه، وقد تضافرت الآيات والأحاديث وكلمات من استضاء بهما من الصالحين، في تقرير هذه الحقيقة، وقد عد ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم "الداء والدواء" عقوبات الذنوب والمعاصي، والتي منها:
حرمان العلم: لما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه، أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه، فقال له: (إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بظلمة المعصية)، ويبدو أن الله قد أراد للشافعي الفرار من الأشواك, وهيأ له غير الإمام مالك ليغرس فيه هذا التوجيه العميق، يقول الشافعي وهو يتحدث عن شكوى تقدم بها إلى شيخه وكيع:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي
ومنها زوال النعم وحلول النقم: فإن كان الله قد أعطاك نعمة الفهم والحفظ؛ فحافظ عليها ولا تجعلها تنسلخ من بين يديك بالذنب، يقول الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (30) سورة الشورى، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة)
إذا كنت في نعمة فارعها فإن الذنوب تزيل النعم
ومنها: تعسير الأمور: فلا يتوجه إلى أمر إلا ويتعسر عليه، والله سبحانه يقول: ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا) ففي المقابل يجازى العاصي بتعسير أموره، فقد تجد ذلك في عدم الاستيعاب والقدرة على التركيز، أو في سرعة النسيان، أو في ضعف الهمة في استذكار دروسك.
ومنها ضيق الصدر والاكتئاب: لأن الطمأنينة والسعادة إنما تنال بطاعة الله ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، فإذا تخلى الإنسان عن مصدر سعادته، وولج أبواب المعاصي، ينقبض صدره، ويكتنفه الهم والحزن. وعقوبات الذنوب كثيرة، أتيتك بالنذر اليسير منها مما يقع للعبد في الدنيا, ومما له تعلق بشكل أو بآخر بالمرحلة المعنية.
وقفة: مع القلق
ما إن تبدأ الامتحانات حتى ينتاب الطالب حالة القلق المعهودة، وهذه الظاهرة كانت ولا زالت موضوعاً هاماً يتناوله الباحثون بالتحليل والتفسير والتعريف، وقد عرفه سبيلبرجر بأنه: (حالة انفعالية مؤقتة, سببها إدراك المواقف التقويمية على أنها مواقف تهديديةللشخصية, مصحوبة بتوتر وتحفز وحدّة انفعالية, وانشغالات عقلية سالبة, تتداخل مع التركيز المطلوب أثناء الامتحان مما يؤثرسلباً على المهام العقلية والمعرفية في موقف الامتحان).
وقد وضع براكس ودادسون قانوناً سيكولوجياً ينص على: (أن القلق الطبيعي يرفع مستوى التركيز والأداء, ولكن إذا زاد مستوى القلق أكثر أعطىنتائج عكسية وسلبية).
والأخير هو الذي نطرق أبوابه، حيث أنه ينتاب الكثيرين، خاصة في امتحانات الشهادات ونهاية كل مرحلة تعليمية، وقد يكون مصحوباً بأعراض غير طبيعية كقلة النوم وفقدان الشهية، والإسهال واضطرابات المعدة، وجفاف الحلق، والرعشة، وتسلط الأفكار الوسواسية ونحو ذلك.
وهذا النوع من القلق له أسباب ودوافع بلا أدنى شك، منها ما هو داخلي ينبع من داخل الشخص، ومنها ما هو خارجي بضغط من الوسط المحيط، فمن ذلك:
1- أن يكون الطالب من الشخصيات القلقة المضطربة أصلاً، فبالتالي يزداد قلقه في أيام الامتحانات.
2- الأفكار والتصورات الخاطئة عن الامتحانات، على سبيل المثال: بعض الطلبة يظنون دائماً أن أسئلة الامتحانات سوف تأتي على شكل ألغاز تحتاج إلى عقلية فذة لحلها، أو أن هناك مؤامرة ما تحاك ضدهم ليفشلوا.
3- عدم الاستعداد الكافي للامتحانات، وتراكم المواد التي لم يفرغ منها، أو فرغ منها ولم يستوعبها.
4- توهم النسيان، فالبعض يذاكر ويجتهد, ثم إذا أقبلت الامتحانات يعتقد أنه قد نسي كل أو أغلب ما حصله.
5- التعلم الاجتماعي من الآخرين, حيث أن الطالب قد يكتسب سلوك قلق الامتحان, تقليدا ومحاكاة لنموذج القلقين من الطلاب خاصة المؤثرين منهم.
6- ضعف الثقة بالنفس، وشعور الطالب بأن الامتحان موقف صعب يتحدى إمكاناته وقدراته, وأنه غير قادر على اجتيازه أو مواجهته.
7- الخوف من ضيق وقت الامتحان عن استيفاء الإجابات المطلوبة.
8- تنبؤ الطالب المسبق بمستوى تقييمه من قبل الآخرين والذي قد يتوقعه, أي التقدير السلبي للطالب من قبل الآخرين.
9- دور الأسرة في صناعة هذا القلق، وهذا ما سوف نرجئ الحديث عنه إلى نهاية الموضوع.
توجيهات لمواجهة قلق الامتحانات
1- ينبغي أن تدرك أن اعتقادك في نسيان ما قد ذاكرته إنما هو وهم؛ لأن ما ذاكرته واجتهدت فيه قد سجل في الذاكرة ولكنه فقط يحتاج لأن تسترجعه بهدوء وتأنٍ, فثق بنفسك وفيما بذلته من مجهود وسيوفقك الله حتما بإذنه.
2- عليك أن تعرف أيضاً أن الوقت المخصص للامتحان كاف لقراءة الأسئلة أكثر من مرة والإجابة عنها جميعها.
3- لا تضخم الأمور وانظر إلى الامتحانات على أنها قياس لمدى تحصيلك العلمي، وليست مسألة حياة أو موت.
4- تذكر دائماً أنك مطالب بالأخذ بالأسباب أما النتيجة فهي بيد الله سبحانه.
5- لا تشارك أصدقاءك في الأحاديث المُحبطة عن توقع صعوبة الامتحانات ونحو ذلك.
6- روح عن نفسك بعض الشيء، ولا تنس القيام ببعض التمارين الرياضية الخفيفة إن استطعت.
7- عليك بذكر الله للتخلص من القلق، ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
8- حاول الاسترخاء وأخذ كفايتك من النوم.
9- تجنب المنبهات، واعلم بأن كثرة السهر لا تعني الجدية في الاستذكار.
10- قم ببرمجة عقلك الباطن، وذلك بتصور النجاح والقدرة عليه وإرسال رسائل ايجابية تقوم بتردديها من آن لآخر، مثل أنا قادر على النجاح بإذن الله، فالعقل الباطن لا يفرق بين الصورة الواقعية والصورة التخيلية فإذا استخدم الإنسان حواسه الخمس في رسم صورة تخيلية لأهدافه وقد تحققت وجعل يكررها على نفسه لفترات طويلة فإن هذه الصورة ستستقر في عقله الباطن ويصدقها ويتعامل مع صاحبها كأنها قد تحققت فعلاً فيفجر فيه الإرادة والعزيمة والطاقة اللازمة لتحقيق الأهداف.
11- وأخيراً ثق بنفسك، والثقة بالنفس هي: (إيمان الإنسان بأهدافه وقراراته وبقدراته وإمكاناته، أي الإيمان بذاته)، فتتعرف على المواهب والإمكانات التي وهبك الله إياها وتوظفها في الخير والنفع، وهي تختلف عن الغرور الذي يرى صاحبه أنه ناجح بفضل شخصيته، لا ينسب النعمة لخالقها كما فعل قارون {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} (78) سورة القصص )، بل يكون مثل سليمان عليه السلام: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} (19) سورة النمل ).
وهذه الثقة إنما تنبع من داخلك لن يهبك أحد من الناس إياها، إنها كما قال ديفيد فيسكوت:
(ثقتك بذاتك هي دائما من صنعك أنت، إنها تصورك لأفضل ما فيك، قبولك لذاتك، حلمك, إنك لا زلت قادراًً على خلق هذه الثقة, فطالما فعلت ذلك، وطالما ستحتاج لفعل ذلك.
إنك أفضل شاهد على خبراتك ،إنك غالباً ما تكون الشاهد الوحيد على ذلك السر، سر تطويرك لذاتك وخبراتك الذي قد يُمكنك يوماً من تغيير العالم).
ولكي تكون واثقاً من نفسك ينبغي أن تركز تفكيرك وتسلطه على جوانب القوة فيك، وتسعى لمصاحبة الإيجابيين الواثقين في أنفسهم، وتحصي إنجازاتك، وتعلم يقيناً أن الله تعالى أودع في الإنسان إمكانات هائلة قد لا يصدق الإنسان وجودها، وأن بإمكان الإنسان أن يفعل الكثير والكثير، وإن كنت قد تعرضت مرات للفشل؛ فاعلم أن من رحم الفشل يولد النجاح.
وقفة: احذر السقوط
قضى عامه الدراسي بين لعب ولهو وتسويف، فلما أطل زمن الامتحانات، أسند خده على راحة يده، وقال قد فات الأوان، ثم لمعت عيناه إذ عثر على الحل، مط شفتيه وقال بتأسف مصطنع: ليس هناك حل آخر، ثم مضى ليلة الامتحان في الإعداد والترتيب لكيفية الغش في الامتحان.
وقبل الامتحانات يدور على الأصدقاء: لا تنسوني، وفي قاعة الامتحان، يترقب غفلة المراقبين، ويخرج ورقة صغيرة من جيبه عل فيها الخلاص، أو يهمس للزميل: إجابة السؤال الثالث، وإذا كان المراقبون ذوي حزم وحذر، تراه يجلس كالمتسول ينتظر صدقة من هنا وهنالك.
ظاهرة سلبية قد دأب عليها عدد من الطلاب، دون إدراك بعدها الشرعي والنفسي، ولما سرت في الأوساط التعليمية وصارت شيئاً مألوفاً- كشأن أي معصية- صار المراقب الذي يرفض هذا المبدأ ويتعامل بحزم مع هذه الظاهرة، والطالب الذي يرفض تسريب الإجابة لزملائه - تديناً-، صار كل منهما متهماً تهمة الأولين {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (56) سورة النمل, والغش قطعاً له أسباب ودوافع تتمثل في:
1- ضعف الوازع الديني: حيث أن الغش تكاد حرمته لا تخفى على أحد، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من غش فليس منا)، وهذا عام يشمل الغش في كل شيء، وبذلك أفتى علماء الأمة ومنهم العلامة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، ولا يستثنى من ذلك مواد اللغات الأجنبية ولا غيرها، كما أفتى بذلك أهل العلم الثقات، ومع العلم بذلك نرى التساهل على أوجّه، والتفنن في التسويغ يبلغ ذروته، وتخرج الفتوى الطائشة من فم هذا الطالب أو هذا الوالد أو ذاك المراقب، وما كل ذلك إلا من ضعف الضمير الإيماني.
2- ضعف التربية: فالذي يعتاد ذلك لم يتلق توجيهاً سليماً أو تربية واعية في بيته، فماذا لو أن والده يشدد عليه دائماً في مسألة الغش عموماً، ويقرع سمعه ببيان حرمته، لا شك أنه سيتأصل في حس الطالب استقباح الغش بجميع صوره.
3- ضعف الشخصية: فالطالب الذي يرضى لنفسه ذلك، إنما هو إنسان ضعيف الشخصية، ليس لديه أدنى قدر من ثقته بنفسه من أن بمقدوره التحصيل والاستيعاب، فيركن إلى غيره، ويقبل أن يذل نفسه بالإلحاح على هذا، فلا تجد على الإطلاق طالباً كريم النفس, قوي الشخصية, يرضى لنفسه أن يكون في هذا الموقف المخزي.
فترفَّع أخي الحبيب, واسْمُ على هذا الحضيض، وتذكر أن الله رقيب عليك {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (19) سورة غافر، واعلم بأنك لو ارتكبت هذا المحظور تكون قد سطَّرت بيدك شهادة فشلك، حيث يحط إلْفُك الغش من شخصيتك ويشوهها, ويصير لازماً لها في جميع جوانب حياتك وأنت لا تدري.
وقفة: إدارة الوقت
إدارة الوقت من أهم عوامل النجاح في أي مجال، نظراً لأهمية العنصر الزمني في أي عمل، وهناك تلازم وتلاصق بين تحديد الهدف وإدارة الوقت، فكلاهما لا يتحقق إلا مع الآخر، وبعض الطلاب يعيشون في فترة الامتحانات في حالة من التخبط تجاه تنظيم أوقاتهم، وإليك بعض النصائح التي لا غنى عنها في تنظيم الوقت عموماً:
1- ترتيب الأولويات: فهذا أمر حيوي في تنظيم الوقت، حيث أن الوقت قد يضيق عن تحقيق كل ما نريد عمله، ومن ثم لا بد من ترتيب الأولويات حتى لا يفوتنا إنجاز أكثر الأعمال أهمية.
2- تحديد الهدف بدقة، مثلاً ماذا ينبغي أن أذاكر غداً وهو ما قبل الامتحان بيومين.
3- إعداد قائمة بالأعمال اليومية، وكلما أنجزت عملا تضع عليه علامة بالقلم.
4- قدر لكل عمل ما يكفيه من الوقت.
5- تعامل بواقعية مع الوقت، فلا تلزم نفسك بأعمال تعلم يقيناً أنها ليست في وسعك.
6- اترك في برنامجك وقتاً خالياً للطوارئ.
.[/align]
المفضلات